أشعر أن التوبة ليست خالصة لله!

0 914

السؤال

السلام عليكم

أنا أعاني من مشكلة في التوبة، أقصد أنها تصعب علي، فإذا أردت أن أتوب من ذنب معين فإني آخذ وقتا طويلا نسبيا، ومتعبا في التفكير، فأقول كلاما بيني وبين نفسي يشبه هذا: (أنا مخلص توبتي هذه لله تعالى، لا يهمني كلام الناس أو نظرتهم لي، فقط لله تعالى).

أجلس أفكر في هذا وأعيد التفكير، وأكثر جزء صعب هو الندم، أجلس أستحضر هذا وأفكر فيه مليا حتى أتعب حقا، لذلك تصعب علي التوبة.

المصيبة أنني أود التوبة من ذنوب معينة، لكن أحس أنني أتوب لأجل أن الله لا يعاقبني بشيء أحبه، وأشعر أنها ليست خالصة لله تعالى، وربما هذا الشعور حقيقي، وربما وسوسة، لا أعلم، فأنا موسوس حقيقة، وصرت أقول: سأبدأ التخلص من الوسواس ومن ثم أتوب لكي لا أواجه مشاكل، ودائما ما أحاول الإقلاع عن الوسواس فلا أستطيع، لكني مستمر في المحاولة وسأتخلص منها بإذن الله.

أنا لي أمنيات وأشياء من هذا القبيل، فإذا أردت التوبة أشعر أنني سأتوب لأجل أن الله يحقق أمنياتي وليس لأجل أن أكسب رضاه!

شرط الندم بالذات صعب جدا، أطيل التفكير والاستحضار مليا، وأرى هل فعلا أنا نادم أم لا؟ وأحاول أن أندم لكن لا أستطيع وأشعر أني لست نادما حقا!

تواجهني مشكلة في إخلاص النية لله في الأعمال الخيرية، على سبيل المثال: هممت لوضع الطعام للطيور، ثم أتذكر أنني لم أخلص النية لله من البداية، فلن أؤجر فما الفائدة؟

هل أستطيع أن أخلص النية لله قبل وضع الطعام لها، أم أنه لا يمكنني ذلك فقد نسيتها بالبداية؟

أرجو أن يتسع صدركم لي، فأنا أواجه مشكلة في التشمت أو الشماتة في كل شيء، مناظر كثيرة عندما أراها وأحس أني قد تشمت فيها أو ضحكت عليها أقول: اللهم لا شماته على كل شيء، الحمد لله على كل شيء، أتعبني ذلك حقا.

أحس أنني أتشمت كثيرا، حتى في الأفلام إذا رأيت مشهدا مضحكا وأعلم أنه تمثيل لكني أضحك وأقول بعدها: اللهم لا شماتة، والحمد لله.

أحس أني أشمت بالناس، رغم أني أعلم أنه مجرد تمثيل وأن الهدف أصلا هو إضحاك الناس!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

شكر الله لك أخي الحبيب حرصك على تجديد نيتك، وعلى أوبتك إلى الله، وحرصك على جميل التوبة إليه، والتزامك بالله وطاعتك له، مع ما تعانيه من تلك الوساوس التي نتفهم ثقلها عليك، وتأثيرها العارض يدل إن شاء الله على أنك من أهل الصلاح، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.

نحن على ثقة من أن ما تعاني منه هو أمر عارض وزائل إن شاء الله، فهذا أول العلاج، بل نصف العلاج أن تعتقد أن الأمر هين وسيزول، فأمل في الله خيرا، وثق أن الله ناصر من تمسك بسنته.

قد آلمك أخي الفاضل، ونغص على توبتك: شعورك أنها ليست لله خالصة، وأنها محض مصالح عاجلة أو آجلة، فقد توهمت أن رغبتك في التوبة لأجل ألا يعاقبك الله بشيء آخر، أو لأجل ألا يحرمك الله من أمر تحبه أو لأجل أن يحقق أمنياتك أن هذا قدح في التوبة، وهذا وهم قذفه الشيطان في قلبك، لأجل أن يصرفك عن التوبة، ولو قرأت كتاب الله عز وجل لوجدت لما أنت فيه مخرجا، فهاهو نبي الله عليه السلام حين أراد أن يرغب قومه في التوبة، أبلغهم أن الخير والبركة في المال والقوة مرتهن بالتوبة، فكان يحثهم على التوبة بذلك، قال تعالى في حديث هود لقومه: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} ولو كان هذا ناقضا من نواقض التوبة أو هادما لها لما حثهم عليه، وهذا نبي الله شعيب رغب قومه في التوبة طمعا في رحمة الله عز وجل، قال تعالى عن حديث شعيب لقومه: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} وعليه فلا منافاة أخي الحبيب بين ما تمنيت من خير وبين توبتك .

- أنت أخي الحبيب تعاني من وسواس، وعليك أن تعلم أن هذا أمر يسير جدا، وعلاجه ميسور بإذن الله، فالوسواس مرض نفسي وعلاجه كذلك نفسي، وإذا تفهمت طبيعته سهل عليك التغلب عليه.

-اعلم بارك الله فيك أن الوسواس لا ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي فيه، فإذا أردت القضاء عليه فحول كل أمر سلبي إلى إيجابي، وأول ما يجب عليك فعله أن تحتقره، ردد في نفسك إن الوسواس سخيف، كلام فاض، فهذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدا، وحين يستخف الإنسان شيئا فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يصبح ليس جزءا من حالة الإنسان.

هذه التمارين مهمة جدا، ومفيدة كذلك، لأنها تعمل على إقناع الذات بتفاهة الأمر، وهي مؤثرة، لكنها تحتاج للصبر والتكرار والجدية في تطبيقها، وأن يخصص الإنسان لها وقتا معينا.

- اعلم أخي الفاضل، أن الله ولي من والاه، وإيمانك بالله ويقينك فيه سيعينك على تجاوز المحنة، وسيعمل على تدمير هذا الشعور السلبي، وخاصة حين تؤمن بأن قضاء الله نافذ، وأن الله لا يقدر لعبده إلا الخير، والخلق جميعا لو اجتمعوا على إيذاء أحد لن يقدروا إلا إذا قدر الله ذلك، وتذكر أخانا دائما حديث عبد الله ابن عباس حين قال: " كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال:" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" فلن يستطيع أحد إيذاءك أبدا، ولن يقدر أحد على أن يصيبك بمكروه، ثق أن الله حافظك.

هذا أول ما ينبغي أن تجعله في قلبك، وليكن شعارك قول الله تعالى(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) هنا تجد الاطمئنان والبشر والسعادة والسرور وراحة البال ملازمة لك.

- أما إخلاص النية فالأمر فيها كذلك هين، إذا شككت في نيتك أثناء العمل فجدد النية وامض في العمل، ولا يضرك شيء إن شاء الله، أما الخطورة فهي أن تترك العمل لأجل الناس أو لأجل أنك لم تجدد نيتك، اعمد الآن إلي نية عامة بأن تقول في نفسك: يا رب، كل عمل أقوم به وكل خير أفعله نيتي فيه أنه لك وحدك، هذه نية عامة، ثم عند كل عمل اجعل نيتك خالصة لله، فإذا نسيت ففي وسط العمل، فإذا نسيت ففي آخر العمل، فإذا نسيت فلا حرج عليك إن شاء الله، وتكفيك النية العامة.

-اجتهد أن تشغل أوقاتك بالأعمال الإيجابية النافعة، وأن ترهق تفكيرك دائما بما ينفعك أو ينفع أهلك أو أمتك، وأن تتعاون مع بعض الإخوة في أي عمل دعوي، كل هذه الحركات الإيجابية تعمل على التقليل من هذا التفكير السلبي.

- أما الشماتة التي توهمتها فليست كذلك أخي الحبيب، فالشماتة هي: أن تسر بما يصيب المسلمين من المصائب، وأن يكون هذا ديدنك، تسعد إذا وجدت مسلما أو رجلا وقع في الكوارث ولاحقته المصائب وتظل تشمت فيه، وهذا غير حاصل معك، وقد ذكرت أنها مجرد أفلام لا تقترب من الواقع بشيء.

ثق في الله واطرح عنك هذا الوسواس، وأقبل على الله بقلب صادق وعزم أكيد، وتوكل عليه واعلم أنه كافيك، وأن ما قدره الله كائن، وما لم يقدره لم يكن.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات