السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري 20 سنة، أخاف من الموت، ولما أسمع أن أحدا مات، أختنق، أمر بحالة لا يعلم بها إلا رب العالمين، ولما مات الملك عبدالله -الله يرحمه- أصابتني رجفة ودوخة، ويدي اليسرى لم أستطع أن أحركها، لم أقدر أن أنام، كنت متضايقة ومختنقة، وضيقتي لا تعني اعتراضي على القدر، إنما حبا في الشخص، وخوفي ليس من الموت نفسه، إنما الخوف من الخاتمة.
أنا لا أعرف كيف تكون خاتمتي، وأخاف أن أموت على معصية، أموت ولم أقدم شيئا يرضي الله، وأنا -والحمد لله- صرت أصلي، ولم أكن أصلي من قبل إلا إرضاء لأهلي، أما الآن تغير الوضع، وصرت أقرأ القرآن، والأذكار، وإن كنت أحيانا أنسى الأذكار، ولكن -والحمد لله- لساني فيه تعلق بذكر الله.
أشعر بتأنيب الضمير إذا لم أصل، أو تأخرت في النوم وفاتتني الصلاة، ولكنني أبقى خائفة أن لا أصليها بخشوع، أريد أن أخشع في صلاتي، فكيف ذلك؟ فأنا أحاول أن أرفع صوتي في الصلاة بالقراءة حتى أركز ولا أفكر في أشياء أخرى.
أتمنى أن يساعدني أحد في الخروج من هذه الدائرة التي حبست نفسي فيها؛ لأنني تعبت -والحمد لله على كل حال-، أعرف أنني طرحت أكثر من موضوع، لكنني وجدتها فرصة أعبر فيها عن نفسي؛ لأن الكلام يريحني، وقبل انتهاء الوقت المحدد للأسئلة في الموقع.
جزاكم الله خيرا، والله يعطيكم العافية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Areej حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يمن عليك بصحبة صالحة طيبة مباركة تكون عونا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإنا نحمد الله -تبارك وتعالى- أن التفكير في الموت لم يأخذ حيزا كبيرا من حياتك، تصل لدرجة الشلل التام، وإنما هو أثر على نفسيتك في اتجاه بعض القرارات، وبعض التصرفات، أما ما سوى ذلك: فإن الأمور ما زالت على ما هي عليه، وما زالت في وضع طيب، ولا يوجد هناك إشكال يتعلق بها.
والحمد لله أن الله -تبارك وتعالى- أكرمك، بأن وظفت الخوف بطريقة إيجابية، فأنت أساسا ذكرت أنك لا تخافين من الموت، ولكن تخافين أن تموتي على غير عمل صالح أو تموتي على معصية لله تعالى، وهذا الكلام هو الذي يشغل بالك، وهو الذي يشغل تفكيرك.
وأنا أقول بارك الله فيك: إن هذا الأمر ما تم وضعه إلا حماية للمسلمين من أمثالك، ومن أمثالي، ولذا فإن الله -تبارك وتعالى جل وعلا- من عليك ألا تخافي من الموت، ولكنك تخافين أن تموتي على معصية، أحب أن أبشرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من مات على شيء بعث عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنما يبعث العبد على ما مات عليه).
فما دمت الآن حريصة على طاعة الله، وقد أكرمك الله -تبارك وتعالى- بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وقراءة القرآن والأذكار، وقد تعلق قلبك بالله -سبحانه وتعالى-، وأصبح لسانك يلهج بذكر الله عز وجل، فأعتقد أنك في وضع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)، فهذه الوضعية التي أنت عليها وضعية رائعة جدا، وسوف ينفعك الله -تبارك وتعالى- بها في الدنيا والآخرة؛ لأنك بدأت تؤدين العبادات بقناعاتك الشخصية، ولا يعدو الأمر كما كان سابقا، أنه مجرد إرضاء لوالديك، وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازا رائعا.
أتمنى أن تحافظي على الصلوات في أوقاتها، تحافظي على وردك من القرآن الكريم يوميا، أن تكثري من ذكر الله -تبارك وتعالى- أن تكثري من الاستغفار، وأن تكثري من الصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- و-بإذن الله تعالى- هذه الحالة هي التي غالبا ستموتين عليها بعد عمر طويل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا:" أن العبد يبعث على ما مات عليه"، فأهل الطاعة يبعثون على الطاعة، وأهل المعاصي يبعثون على المعاصي.
بجانب ذلك أن يسأل الإنسان الله تعالى الثبات، وأن يدعو بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين. اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك) وغير ذلك من الأدعية.
كونك تخافين أنك ستموتين على معصية الله، هذا خوف في محله، وهو كلام رائع وجيد وواقعي، ولكن بما أنك حريصة على الطاعة لن تموتي -إن شاء الله تعالى- إلا على الطاعة، أما إذا كان لديك معاصي فإنه يخشى أن يموت العبد عليها، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
ومن هنا أقول لك: عليك أن تطمئني - بارك الله فيك -.
وبالنسبة للخشوع: الله -تبارك وتعالى جل وعلا- جعل لكل شيء سببا، ومن هذه العبادات العظيمة (عبادة الخشوع)، تحتاج إلى الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن الله يرزقك عبادة الخشوع، ثم بعد ذلك تجتهدين - من أول الأذان – في ترديد الأذان، والاستعداد للصلاة في أول وقتها، وحافظي على أن يكون وضوؤك وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- وحافظي على طاعة الله، التي بها تعانين على مقاومة هذه السلبيات، وتدبري الآيات والذكر والتسابيح التي تقرئينها في الصلاة، وخير مثال للخشوع: هو وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- للإحسان، حيث قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) بمعنى: إذا حصل من العبد أن عبد الله كأنه يراه فقد حصل الخشوع، وإن لم يكن كذلك فليعلم أن الله يراه، فيحسن صلاته ويعقلها.
الأمر سهل ميسور بفضل الله، والناس يحبون الخير ويحرصون عليه، والذي يحب الخير ويحرص عليه، يموت عليه، فثقي وتأكدي أن الله لن يضيعك، وعليك بقراءة كتيب صغير، أو الدخول على موقع البحث جوجل وكتابة (أسباب الخشوع) للشيخ محمد المنجد، وسوف يأتيك كم هائل من العوامل التي ستعينك وتفيدك -بإذن الله تعالى- في هذا المضمار.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يعيننا وإياك على فعل ما يرضيه، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.