السؤال
السلام عليكم
علماءنا الكرام: أرسلت إليكم في الاستشارة رقم (2254030) عن أمور حصلت لي وأثرت على نفسيتي، وسببت لي إحباطا وكسلا.
تم أخذ الأمر على أنه أمر نفسي من داخلي, وأني أعاني من اضطراب المزاج، وأن علي زيارة طبيب نفسي, وقد قلتم: إنه يجب النظر إلى الظروف والتاريخ الأسري والشخصي والأخذ بالأسباب.
في الحقيقة الظروف طبيعية، ونفسيتي طبيعية، والتاريخ الشخصي والأسري جيد، وليس هناك مشكلة، فالموضوع متعلق بأمور حصلت لي، وتحصل لي منذ فترة طويلة، ولا تزال مستمرة، وأثرت على نفسيتي, وأصبحت أحس بضيق شديد في صدري، وعدم شعور بفائدة لما أقوم به.
أرى أن هناك أناسا أسوأ مني خلقا ودينا، ومع ذلك فأمورهم تجري بخير, أما أنا فالانتكاسات والأمور السيئة تستمر بالحدوث لي, وسأضرب لكم أمثلة عن أمور حصلت لي:
كان لدي امتحان في الجامعة, فذهبت أنا وصديقي قبل الامتحان بأسبوع لشراء مادة الامتحان, فاشترينا من نفس المكان ونفس البائع, وقبل بدء الامتحان بعدة ساعات رأيت مادة زميلي وكانت المادة التي اشتريتها أقل من مادة زميلي بكثير, ومادتي ناقصة, علما أننا اشتريناها من نفس المصدر, فتسبب هذا لي بخسارة في المادة.
حصل أمر آخر, وهو أنني قمت بتقديم عدد من الامتحانات تقديما جيدا, ولي زملاء قدموا أداء ليس بجيد وسيء, فكانت نتيجتهم أعلى, وثبت أن هناك خطأ حدث في علاماتي عند تصحيح الأوراق، فوضع لي المدرسون علامات أقل من أدائي, فقد ثبت بعد المراجعة أن علاماتي كانت أعلى.
لا يقتصر الأمر على الجامعة, بل في المنزل أيضا, فأهلي يسيئون الظن بي, وأصبحت كثيرا ما أتشاجر معهم, كما أنهم يتدخلون في أموري ويبالغون في الحكم علي, فحينما أجلس على حاسوبي يتدخلون في أمري, وعندما أشتري شيئا يتدخلون في أمري, وعندما أتحدث في أمر ما يتهجمون علي, علما أن إخوتي يفعلون نفس الأمر.
عندما أستحم تكون المياه ساخنة ثم تصبح باردة وتنقطع أكثر من مرة، واشتريت ألعابا إلكترونية أتسلى بها على حاسوبي، وعندما أحملها لا تعمل، وعندما آخذها إلى حاسوب صديق لي تعمل، واشتريت ثلاثة أجهزة حاسوب فتعطلت، وكل مرة آخذها إلى الصيانة تعود إلى العطل.
هذه الأمور تحدث معي منذ سنوات، وأصبحت مزعجة لي جدا, حتى إن أمي أخذت تعيرني بهذا، وتقول لي: إنك ذو حظ عاثر.
كثير من الناس لا أدري لماذا يسيئون الظن بي أو ينفرون مني، ولا يريدوني أن أشاركهم, ولا يريدون لي خيرا؟ مع أني شخص لا أفعل شرا, بل أعامل الناس بحسن خلق، حتى أصدقائي أشعر أنهم لا يحبون تواجدي بينهم, وبعض الناس ينتظر مني أي شيء ليعلق علي, وبعضهم يترقب مني الخطأ ليعلق علي.
لم أستسلم لما حدث سابقا, بل ترقبت الظروف وأخذت بالأسباب, ففي الدراسة، قلت: ربما أنني مقصر, ومع أهلي، قلت: ربما أنني لا أصبر عليهم، ولا أمنحهم فرصة وأتعجل بالغضب, ومع الحاسوب، قلت: ربما أن مواصفاته غير جيدة أو غير مناسبة, ومع الناس، قلت: ربما أن الخطأ في سلوكي.
لكن مع ما ذكرته لكم من أمثلة, لم يعد الأمر محتملا, وعلمت أنه ليس لي علاقة بما حدث, ولست مقصرا, بل الأمور لا تسير بخير فتجعلني محبطا, مما يعني أن الأمر ليس من نفسي, أو أنني أنا نفسي محبط أو يائس, بل الظروف والأمور السيئة هي التي تستمر بالحدوث فتجعلني كذلك, أصبحت لا أهتم لما يصيبني؛ لأن الأمور السيئة أصبحت كالعادة، وأصبحت أمرا طبيعيا، بدأت أشك أيضا، هل هو غضب من الله أم بلاء؟
أفيدوني -يرحمكم الله- في هذه الحوادث التي تحدث لي، فقد أصبح الأمر مزعجا جدا، ولم أطق احتماله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونقدر لك تواصلك مع (إسلام ويب).
أيها الفاضل الكريم: الفكر التشاؤمي السلبي يجعل الإنسان يلتقط السلبيات في حياته، ويركز عليها كثيرا ويضخمها، ويلجأ إلى سوء التأويل والتفسير، وهذا قطعا يؤدي إلى شخصنة الأمور بصورة سلبية جدا، ويجعل الإنسان متطيرا ومتشائما.
أخي الكريم: هذا الذي ذكرته نقدره تماما، لكنه قطعا جزء من الإطار السلبي لتفكيرك، وليس أكثر من ذلك، فأنا متأكد أن حياتك فيها أمور جميلة، وفيها أمور طيبة.
أخي الكريم: لا تتطير على هذه الشاكلة التي ذكرتها، ولا على أي شاكلة أخرى، ولا تحلل الأمور وتفسرها على هذا النهج، فالحياة فيها ما هو طيب، وفيها ما هو سيئ، فليس هنالك إنسان ما حياته كلها نكد وسلبيات وتطير، لا، هذا ليس صحيحا أبدا.
الفكر من هذا النوع له سلبيات كثيرة جدا، وعليه أريدك أن توازن الأمور، وأن تكون أكثر تفاؤلا، وأن تقدم على الحياة بإيجابية، وأن تعرف أن الإسقاط دفاع نفسي سلبي، بمعنى أن تسقط الصعوبات إما على آخرين أو على ظروف أو على أحداث معينة، وأنا هنا لا أقلل من شأن مشاعرك والظروف التي مررت بها، لكن أريد أن أوجهك توجيها علميا؛ لأن الذي يهمني هو أن تتحسن أحوالك.
الإرشاد الصحيح هو: ألا يتطير الإنسان، وألا ييأس من روح الله، وألا يقنط من رحمة الله، وألا يتشاءم من الماضي، ولا يخاف من المستقبل؛ لأن المستقبل بيد الله تعالى، والله تعالى لا يقدر إلا الخير، والشر ليس إليه، فلا يقدر إلا كل جميل، لكنا لا نعلم ما ينفعنا {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
عش الحاضر بقوة وبترتيب، واجعل لنفسك أهدافا وآمالا، وقدم مشيئة الله، واسع وكن واقعيا في تخطيطك، ولا بد أن يكون لك مشروع عمر، وهدف واضح تسعى لتحقيقه.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع (إسلام ويب).
+++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
+++++++++++++
مرحبا بك - أيها الولد الحبيب –في استشارات إسلام ويب، نسعد بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، ويرضيك بما قسم لك.
نتفهم – أيها الحبيب – ما طرحته علينا في هذه الاستشارة، وندرك مدى ما تعانيه من آثار على نفسيتك، ولكن نخالفك – أيها الحبيب – في توصيف هذه الحالة، وفي كيفية فهمها، فأنت تحس بضيق شديد حين تقارن نفسك بالآخرين الذين ترى أنهم في أوضاع أفضل من الأوضاع التي أنت فيها، مع أنهم كما ذكرت أسوأ منك في أخلاقهم ودينهم، وهذا متوقع – أيها الحبيب – أن يولد لديك هذا الشعور، فقد أخطأت في النظر وكيفية القياس.
القياس – أيها الحبيب – أن تعلم أولا أن الله سبحانه وتعالى يبتلي الناس على قدر دينهم، فكلما كان الإنسان أقرب إلى الله قد يشتد عليه البلاء لما يعلمه الله سبحانه وتعالى من الخير المترتب على اختباره وامتحانه وإخراج صبره، وكتابة الأجر والثواب له في الدار الآخرة على هذا الابتلاء والامتحان، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – ثم الأمثل فالأمثل.
غالب الذين يعيشون بعيدين عن الله تعالى يكونون في سلامة من الأخطار والأمراض والمصائب؛ وذلك لأن الله تعالى يدخر لهم العقاب، كما قال الله سبحانه وتعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم} فهذا في الكفار، والعصاة والفساق قد يستدرجهم الله تعالى بالإمهال فيمد لهم النعم، ويبسط لهم الأرزاق، ويعطيهم الصحة، مع استمرارهم وبقائهم على ما هم عليه من المعصية والبعد عن الله، وليس في ذلك خير، بل هو الشر كله.
إذا تصححت لديك هذه النظرة علمت أن الأمور ينبغي أن تفهم هكذا.
الأمر الثاني: أنك تقارن نفسك دائما بالأفضل منك فيما يبدو في مظاهر الحياة الدنيا ومتاعها، وهذا خطأ، بل ينبغي للإنسان أن ينظر إلى من هو أفضل منه في دينه ليولد لديه الحافز والرغبة في مسابقته والعمل بمثله، أما الدنيا فينبغي للإنسان أن ينظر إلى من هو أقل منه، فإن هذا يدفعه إلى الرضا بقضاء الله تعالى، ويعرف قدر نعمة الله تعالى عليه، ويعرف مقدار النعم التي يعيشها، فيجره ذلك إلى شكر الله تعالى والاعتراف له بالفضل والنعمة، وهذه هي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الثالث: أنك أخطأت – أيها الحبيب – في تزكيتك لنفسك والحكم عليها بأنها أفضل من الآخرين، وهذا قد يكون مطابقا للواقع في بعض الأحيان، ولكن يمثل ذلك منزلقا خطيرا؛ لأن تزكية النفس قولا وغرورا منهي عنه، كما قال الله تعالى: (ولا تزكوا أنفسكم) ولأنها تؤدي إلى الرضا عنها واستمراء حالها، وربما جره ذلك إلى كثير من التقصير أو الوقوع في الذنوب والفواحش، فإن النفس كما أخبر الله تعالى عنها وهو أعلم بها وهو خالقها: {إن النفس لأمارة بالسوء}، وإنما المسلم يزكي نفسه بلزوم التقوى والعمل الصالح، كما قال الله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
وصيتنا لك – أيها الحبيب – أن تجدد النظر في هذه القضايا الثلاث، وستجد - بإذن الله تعالى – الانشراح والسعة في صدرك، وإدراك الأمور على وجهها يساعدك على التغلب على هذه الحالة -من الضيق والضجر- التي تعانيها.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.