لست راضية عن شكلي وحياتي وأكتئب كلما رأيت سعادة من حولي بحياتهم

0 200

السؤال

السلام عليكم.

أحس أن حياتي تعيسة، وأن الفرح نادر فيها، أنا فتاة أبلغ من العمر 28 عاما، تغزوني أفكار سوداء، لا أستطيع التخلص منها، تأخرت كثيرا في دراستي، وقضيت سنين طويلة لكي أحصل على الشهادة، أحب رجلا منذ أكثر من 6 سنوات، وإلى الآن لم نستطع الزواج ولا الخطبة؛ لأنه في كل مرة نعقد فيها العزم تمنعنا الظروف، ولا أعرف ما الذي يحصل معنا؟

وأعاني من الوزن الزائد، وكلما رأيت نفسي كرهتها، وأحس أنني غير سعيدة، ومنذ أن أنهيت دراستي لم أتمكن من الحصول على العمل. عندما أرى قريباتي وصديقاتي سعيدات مع أزواجهن وأولادهن والله لا أحسدهن بالعكس، لكن هناك شيء داخلي يؤلمني، ويقول: وأنت متى ستفرحين؟ كثيرا ما أستغفر ربي، وأقول هذا كله بأمره، لكن هذه الأفكار تؤرقني وتجعلني بائسة، فهل حقا حياتي متعبة؟ أم أنني ذات شخصية سلبية تعاني من المشاكل النفسية؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كوثر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: قال الشاعر قديما مخاطبا الناس كافة:

ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر ثم سقم وعافية

نعم –أختاه- هذه هي الحياة وتلك طبيعتها، كما قال الشاعر:

جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار

وقد قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس، فما أنت فيه –أختنا- من نعمة وعافية إذا أحسنت الصبر عليه، وذلك أن البلاء سيف من سيوف الله في الأرض يختبر به أهل الصلاح فيرفع درجاتهم، ويميز سبحانه الخبيث من الطيب قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} فالمؤمن الصابر المحتسب هو من يتلقى البلاء برضا ويقين، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل بلاء عند الصبر عليه نعمة لصاحبه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له) كل حياته شكر أو صبر هكذا هو المسلم العاقل، يرضى دائما بقسمة الله له دون سخط عليه؛ لأنه لا يدري لو تغير حاله من حال إلى غيره هل يكون خيرا له أم لا؟ هكذا علمه القرآن: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} لذا هو مسلم لله فيما أمر، متوكل عليه فيما طلب، شاكر له فيما رزق، راض بما أصيب به من ضر أو عناء، وهو يدرك أنه مأجور في كل ذلك، هذه المعاني لا بد أن تصل إلى قلبك وعقلك؛ لأنه عامل هام جدا من عوامل تهدئة النفس عندكم.

ثانيا: البلاء مصاحب لأهل الصلاح، وهذه حقيقة ذكرها نبينا -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه) وهو بهذا المعنى خير للمؤمن.

ثالثا: لا يصلح مع البلاء إلا الرضا بالقضاء، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط، ولا يغير هذا من قدر الله شيئا، قال -صلى الله عليه وسلم-: (عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) فالابتلاء -أختنا الكريمة- دليل عافية.

رابعا: كل من ذكرت أحوالهم، وذكرت سعادتهم، نقول لك: قد تحدثت عن ظاهر ما تعرفين لا عن باطن ما لا تعرفين، لكن الحقيقة أن ما منهم من أحد إلا وهو مبتلى، من الناس من يبتلى بالمرض، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يتبلى بالعقل، ومنهم من يبتلى بالعافية، والغنى مع ضياع دينه يمهله الله حتى إذا أتاه لم يفلته، فالبلاء يتفاوت من فرد إلى غيره، لكن آفة البلاء –أختنا- أن من فيه يظن أنه أكثر الناس بلاء فيحجبه ذلك عن رؤية أمور كثيرة أنعم الله بها عليه، ولو عقل لعلم أنه في عافية، فمثلا الفقير لا يرى نعمة الله عليه في صحته أو في زوجه أو في أولاده، وإنما ينظر إلى ربه من خلال فقره، وكذلك من ابتلي بالمرض لا ينظر إلى نعم الله عليه في الغنى، أو التدين، أو وجوده آمنا بين أهله وبيته، ويظل ينظر إلى الله من خلال مرضه، وهذا سوء أدب مع الله -عز وجل-، ولو فتشنا -أختنا الفاضلة- في حياتنا لوجدنا نعما كثيرة تناسيناها، ولو أمعنا النظر فيها لعلمنا فضل الله علينا.

خامسا: اعلمي -أختنا الكريمة- أن البلاء مهما كان صغيرا فإن صاحبه مأجور على ذلك، فعن عبد الله بن عمر قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فقلت: (يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل ذلك كذلك. ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).

سادسا: الناس أمام البلاء على قسمين: قسم يهرب من الواقع ليعيش في خيال مريض، أو في تأفف وتضجر وسخط، وهذا ضيع دنياه وقد يخسر آخرته، وقسم آخر يضع الأمور في نصابها فيحدد المشكلة بهدوء ويجعل لها جدولا، فالمشاكل الدائمة التي لا يمكن علاجها يتعايش معها، ويجتهد في عدم تطورها، والمشاكل التي تعالج يبدأ فيها بالأسهل فالأسهل، وهذه النوعية من البشر لا يمر عليهم يوم إلا ويتقدمون خطوة.

سابعا: ننصحك بقراءة بعض أحوال أهل البلاء، وكيف تعاملوا معه، اقرئي مثلا قصة أيوب -عليه السلام-، فهي من أروع القصص في الابتلاء التي تعينك على طاعة الله والصبر على ما أنت فيه، وكيف حال أيوب -عليه السلام- مع الله حتى في دعائه كان يقول: {ربي إني مسني الضر} ووصف ربه بصفته {وأنت أرحم الراحمين} ثم لا يدعو بتغيير حاله صبرا على بلائه، ولا يقترح شيئا على ربه تأدبا معه وتوقيرا، فهو نموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع العصور، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه اطمئنانا إلى علمه بالحال وغناه عن السؤال، وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب -عليه السلام- إلى ربه بهذه الثقة وبذلك الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت نهاية الابتلاء قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم}، رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافا صحيحا، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، ونحن نسأل الله أن يرفع عنك ما ألم بك عاجلا غير آجل، وأن يعوضك الخير.

ثامنا: أنت طبيعية جدا، وما يحدث معك أيضا أمر طبيعي ويحدث في كل البلاد، لكن نريد أن يزيد إيمانك، وأن تتوكلي على الله، وأن تأخذي بالأسباب في كل أمر، السمنة لها علاج، والبطالة لها علاج، وأول العلاج وأهمه الاستعانة بالله.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ونحن في انتظار رسالة منك تبشرنا بصلاح أمرك أو ما حدث معك، والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات