السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد:
كيف أقص لكم معاناتي، وأنا أعاني من انسداد في العقل لقد فقدت صحتي، بصري، قوتي، إرادتي، والأعظم من ذلك عقلي، فقد تدنى مستواي الدراسي بشكل لافت، وأنا في المرحلة الجامعية، لقد كنت من المتفوقين ولطالما كان يشار إلي بالتفوق.
لقد تحصلت على المرتبة الأولى في مدينتي في مرحلة المتوسطة، ثم في المرحلة الثانوية بدأت تنقص قواي فجأة، إحساس بالتعب والإرهاق، بدأ ينقص نظري، لكنني لم أعر انتباها فقد حافظت على مكانتي بجهد جهيد، وسنة وراء سنة.
زادت حالتي سوءا، واجتزت مرحلة الباكالوريا وكأنني كائن بلا روح، كنت شاردا حتى إذا سألني معلمي سؤالا أظل أنظر إليه حتى وإن كان السؤال سهلا. بدأت أبتعد عن الناس، وأتضايق منهم، لم أصل رحمي إلا في المناسبات، وأحيانا أضيع ذلك، صرت ثقيلا كسولا لا أساعد أهلي في أبسط الأمور، أحس أن شيئا ما يترصدني، عندما وصلتني نتائج الباكالوريا تفاجأت فعلا، لقد خيب أملي معدلي، لم أكن أتوقعه، لكنني اقتنعت، -والحمد لله- بتخصصي وهو الطب.
لكنني في الجامعة زادت معاناتي فصرت أمارس العادة السرية، ارتديت نظارات، لكنها أتعبتني، وزاد شرودي، وزاد قلقي واكتئابي وتركيزي، أصبحت نظرات الناس حولي تقلقني، وخاصة؛ لأني حسن الوجه فهم ينتظرون مني الشيء الكثير، لكن العكس تماما فقد تدنى مستواي الدراسي، وكرهت حتى الدراسة، رغم أنني أبذل مجهودا.
تحدث معي أمور غريبة، لا أريد أن تأتيني فتأتيني، أنا محطم فعلا، لا أدري، فهذا الكلام ليس كافيا، ولا يعبر عن حالتي؛ لأنني بالفعل لا أستطيع أن أصف لكم إياها، هل أستعمل الرقية، أم ماذا؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك ثقتك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية، ونود أن نهنئك للحصول على البكالوريوس في الطب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
أيها الفاضل الكريم: لا تأس على ما مضى وعلى ما حدث، فأنت قد اجتزت هذه المرحلة حتى وإن كانت بمعاناة، ودرجة الإحباط التي تعاني منها تتمركز حول الدراسة وموضوع النظر، والإنسان لا يمكن أن ينظر للحياة من مكون واحد أو من زاوية واحدة، الحياة متسعة جدا، الحياة مليئة بالأنشطة، والإنسان يكد ويجد حتى يصل إلى مبتغاه.
ما كنت تعاني منه من وجهة نظري قد انتهى، أو من المفترض أنه قد انتهى، وتتعامل معه كأنه شيء قد مضى.
استعمال فعل الماضي بصيغته (كنت، وكنت، وكان وكان) هذا أمر جيد، وأريدك أن تحول ذلك إلى صيغة الحاضر والمستقبل (سوف أكون، وسوف أعمل، وسوف أنجح، وسوف أثابر) اجعل شعارك على هذه الكيفية، فالتغيير الفكري الإيجابي هو الذي يبعث في الناس الحيوية والأمل والتفاؤل والرجاء مع التطبيق.
الآن أنت مطالب – أيها الفاضل الكريم – بأن تعوض كل ما مضى، كن أكثر برا لأهلك، كن أكثر نفعا لنفسك ولغيرك، وهذا ليس مستحيلا أبدا، مجرد مراجعات فكرية ذهنية معرفية بسيطة -إن شاء الله تعالى- تضعك على السبيل والطريق الصحيح.
الإنسان كتلة من المشاعر والأفعال والأفكار، إذا كانت الأفكار سلبية والمشاعر سلبية يجب أن نفعل الأفعال، أن نصر على الإنجاز، وهذا قطعا يبدل أفكارنا ومشاعرنا ويجعلها أكثر إيجابية.
أيها الفاضل الكريم: ضع خارطة ذهنية لمستقبلك، خطط، واجعل لك أهدافا: أهدافا بعيدة المدى، وأهدافا متوسطة المدى، وأهدافا قريبة المدى، دون كلل أو وجل أو شعور بالخذلان. طاقاتك موجودة حتى وإن تأخرت وإن تعطلت، فإنها يمكن أن تبعث من جديد، ولا تقلل من قيمة ذاتك أبدا.
عليك بمصاحبة الصالحين والطيبين، والحرص على بر الوالدين – كما ذكرنا -.
العادة السرية: أرجو أن تتوقف عنها، وليس لي ما أقوله أكثر من ذلك في هذا الخصوص.
حافظ على الصلاة في وقتها، خاصة مع الجماعة، وعليك بأذكار الصباح والمساء، ولا بد أن يكون لك ورد قرآني، وحاول أن تجالس العلماء متى ما أتيح لك ذلك، وقطعا الرقية الشرعية فيها خير كثير لك، ولا مانع – أيها الفاضل الكريم – من أن تتواصل مع أحد أساتذة كلية الطب المختصين في علم النفس والعلاج النفسي، فإن رأى أن يعطيك شيئا من مضادات الاكتئاب مثلا، هذا أيضا سيكون أمرا نافعا ومفيدا لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.