السؤال
السلام عليكم.
لدي أم صالحة، تقوم بعمل الصالحات والخيرات للفقراء، وتقوم بأداء الفرائض من صوم، وصلاة، وزكاة، وعبادات...، وتتحمل الكثير لأجلنا، ولكن جاءتها نوبة اكتئاب وأصبحت تبتعد شيئا فشيئا عن الصلاة، وقد أصبح يمر عليها شهور ولا تصلي فيها ركعة، مع أنها مؤمنة بالله، وطوال الوقت تسبح وتستغفر الله.
لا أعلم ماذا أفعل لها لأجعلها تحافظ علی صلاتها علی الأقل مرة باليوم؟ وهل يمكن فعل الأمر تدريجيا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لأمك، وأن يتوب عليها، وأن يردها إليه مردا جميلا. كما نسأله تبارك وتعالى أن يحبب إليها الإيمان، وأن يزينه في قلبها، وأن يعينها على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فأنا لا أدري هل والدتك طاعنة في السن أم أنها ما زالت تتمتع بعقلية كاملة وتفكير ناضج واتزان في التصرفات؟ لأن الإنسان قد يتقدم به السن فيصبح كما قال جل وعلا: {لكي لا يعلم من بعد علم شيئا} وكما قال الله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} فبعض الناس يتقدم بهم السن فيحدث عندهم نوع من الخلل في التصرفات، وإذا كانت القدرة الذهنية عندهم قد ضعفت فإنهم في عفو الله تبارك وتعالى، وما علينا إلا أن نذكر قدر الاستطاعة، ولا نضغط ضغطا شديدا، لأن الله تبارك وتعالى جل وعلا هو الذي قدر لهم ذلك، وهم خاضعون لمراد الله تبارك وتعالى وقدره.
وكذلك أيضا هناك ما يعرف بمرض فقدان الذاكرة المبكر (الزهايمر Alzheimer's) بمعنى أن الإنسان يصبح غير قادر على إدارة نفسه والتركيز، وينسى كثيرا من الأمور الهامة في حياته، وينسى تاريخه، وينسى كثيرا من الذكريات الجميلة، أو غيرها، وهذا أيضا نوع من المرض يحتاج إلى علاج، فإن تم علاجه فاستعاد الإنسان ذاكرته ولو بنسبة، وأيضا على قدر ما فقد من ذاكرة ومن إدراك ووعي يكون عفو الله تبارك وتعالى عنه.
أما إذا كان الإنسان لم يتقدم به السن ولم يدخل في مرحلة الخرف، وكذلك لم يبتل بفقد الذاكرة كحالة مرضية، وما زال في ريعان شبابه أو في سن الأصل فيه أنه واع، ولم يلاحظ عليه أنه غير طبيعي، أو أنه مثلا مريض أو غير ذلك، ويتصرف تصرفا طبيعيا في الأسرة وفي البيت، ويتكلم بمنطقية، ويتصرف بعقلانية، إلا أنه حدث عنده –كما ذكرت– ضعف في التوجه إلى الله تعالى، وضعف في الجانب الإيماني، فهذا يحتاج –أولا- إلى رقية شرعية، هناك احتمال كبير جدا أن تكون قد تعرضت لبعض الاعتداء الشيطاني الذي ركز على الجانب الإيماني عندها؛ لأن الشيطان –لعنه الله– يحسد المسلم على طاعته ورضاه لله تعالى، ولذلك -كما ورد– أن الناس إذا دخلوا المسجد يصلون وهم يسجدون يقول الشيطان: (يا ويلي، يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت؛ فلي النار).
ولذلك أقول: الشيطان يحسد الإنسان ويحقد عليه، ويتمنى ألا يستمر في طاعة أبدا، لأنه كلما كان غافلا، وكلما كان لاهيا عابثا، كان من السهل على الشيطان أن يفسد عليه دينه ودنياه معا.
أما إذا كان ملتزما صالحا فإن الله يحفظه، وإن الله يثبته ويؤيده بملائكته وتوفيقه وتأييده، ولذلك يكون من المتعذر على الشيطان الوصول إليه.
فانظري إلى حال والدتك، إذا كانت تصرفاتها طبيعية جدا، وليس لديها أي مشكلة في الذاكرة، فمعنى ذلك أنها تحتاج إلى رقية شرعية، فأنا أتمنى –بارك الله فيك– أن تذهبي بها إلى أحد الرقاة الشرعيين الثقات، وأنت الآن هنا في قطر، ولدينا عدد كبير من الرقاة المعتمدين من قبل وزارة الأوقاف، تستطيعين الاستعانة بأحدهم لرقية والدتك.
إذا لم يتيسر ذلك فأنا أنصح أيضا بعرضها على أخصائي نفسي، لاحتمال أن يكون الأمر نفسيا، وأيضا لا مانع من المحاولة التدرجية كما ذكرت؛ حتى لا تتوقف نهائيا عن الصلاة، فلو أنها صلت على الأقل فرضا واحدا خير من أن تترك الصلاة كلها بالكلية، وإن كان كل ذلك خطأ، ولكن في جميع الأحوال هذا أخف من ترك الصلاة كاملة، وعليك بالدعاء لها، وذكريها بماضيها الطيب، وعباداتها الرائعة التي كانت تفعلها، وصداقاتها التي كانت تقوم بها، وحاولي دائما أن تعيشي معها في هذا الجو، عسى الله أن يجعل عودتها إلى ما كانت عليه على يديك، فتكوني شريكة لها في الأجر، كما قال الله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.
نسأل الله أن يردها مردا جميلا إلى طاعته ورضاه، وأن يجزيك خيرا.
هذا، وبالله التوفيق.