قسوة أمي معي تدفعني للفرار من المنزل.. وتدهور مستواي الدراسي

0 245

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة حساسة، ويقال عني بأنني طيبة وأحب الجميع، فيما سبق كنت محبة للحياة، ونظرتي كلها تفاؤل للغد، كنت أسعى لخدمة الناس، وأسعى لكي أكون عنصرا فعالا في مجتمعي المسلم، لكنني مؤخرا صرت أتمنى أن لا أستمر في هذه الحياة، كنت من المتفوقات، وفجأة وجدت نفسي راسبة في سنتين متتاليتين في الجامعة، عائلتي تعذرني أحيانا لأن تخصصي الجامعي صعب، فأنا أدرس الفيزياء.

أشعر بأن مشكلتي تكمن في معاملة أمي لي، منذ كنت صغيرة كانت قاسية معي، على خلاف تعاملها مع أختي، علما بأنني أقل طيشا من أختي، لا يمكنني تذكر حنانها في طفولتي، قد تكون هناك مواقف بسيطة لكنني لا أتذكرها.

عمتي العزباء كانت تسكن معنا، وكانت مربيتي، ولهذا السبب شعرت بأن أمي بعيدة عني، أمي تقول حينما تسافر عمتي كنت أحمل وسادتي وأبحث عنها في البيت طوال الليل حتى أغفو.

ثم كبرت وشعرت بأنني أقرب لأمي، لكنها دائما ما تحبطني بالكلام القاسي، في قرارة نفسي صرت أدعو عليها أحيانا، أدعو بأن ينتقم الله منها بسبب معاملتها لي، تسب وتنتقد شكلي، رغم أن الجميع شهدوا بجمالي، تعيرني بجسمي وأن لا أحد يقبل الزواج مني، أتهاون في مساعدتها بأشغال البيت لأنني أدرس طوال اليوم، وأصحو في الصباح الباكر، بعد مبنى الجامعة يجبرني للوصول متأخرة في المساء، في هذا الوقت تكون طاقتي ضعيفة جدا.

إذا تأخرت في نومي صباح يوم العطلة لا أسمع منها غير الشتائم حينما تأتي لإيقاظي من النوم، والدي رجل حنون يحبني وأحبه، لكنني لم أعد أطيق البقاء في المنزل، أفكر في قبول أي شخص يتقدم لخطبتي، وأحيانا أفكر بالزواج في مكان بعيد أو في دولة أخرى حتى ﻻ أرى أمي، توفرت لي فرص زواج كهذه لكنني أنتظر شابا تعرفت عليه من دولة ثانية وعدني بالزواج.

أشعر بأن حياتي لا تطاق، وأنا كثيرة البكاء، فانصحوني ولكم خالص الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابنة المقدس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: لقد استمعنا إلى مشكلتك بعناية واهتمام، ونود منك الآن أن تقرئي رسالتنا بتجرد وإنصاف، فالله يعلم أن الخير نريده لك، وأن السعادة نتمناها لك ولكل مسلم.

ثانيا: ما رأيك - أختنا - فيمن يرى في رابعة النهار وسط الظهيرة الملتهبة شمسا متوهجة ليقسم أنها القمر والناس لا تعلم! هل تصدقين هذا الشخص، وتسيرين خلفه؟ هل تكذبين عينك وتصدقين مثل هذا الكلام؟ بالتأكيد لا، إن أمك – أختنا - أصدق حبا لكم من الشمس الساطعة في الظهيرة، حبها لك ليس بيدها، بل جبلها الله على ذلك، وقد أمرك الله ببرها، وشدد على إكرامها حتى لو كانت كافرة، حتي لو كانت تحرضك على الكفر بالله عز وجل، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}، فالله يوصيك - أختنا - ببرها والإحسان إليها ببرها.

ثالثا: قد ذكرت أنك لم تشاهدي حنانا من أمك، وهذا غبن واضح لدورها في حياتك، فأنت لم تعلمي بعد كم تعبت الوالدة في حملك، وكم تعبت في السهر على راحتك وأنت صغيرة، وكم تعبت وهي تمسح عنك الأذى، ونخشى أن لا تعرفي قدرها إلا بعد رحيلها عنك، وساعتها ستكون حسرة وندامة لا تطاق.

رابعا: - أختنا الفاضلة - لا أحد على ظهر الأرض كلها يحبك كأمك، لا أحد على ظهر البسيطة يتمنى سعادتك مثلها، لا أحد يقدر أن يبذل حياته في مقابل حياة غيره إلا الأم مع أولادها، وغدا حين تتزوجين وتحملين ستذركين جيدا هذا الكلام.

خامسا: إننا نفرق بين السلوك الخاطئ والعاطفة القائمة، نعم قد تكون الأم مخطئة في بعض السلوكيات التربوية، وقد تكون الأم متعبة مجهدة وأنتم لا تشعرون بمعاناتها، وقد تكون قاسية عليك في الحديث لأنها تريد لك الأفضل والأجود والأحسن، لكن ضيق الشيطان عليك وسع الأبواب حتى ما عدت تنظرين إلى فضلها على كثرته.

سادسا: إذا أردت أن تعرفي قدرها فاسألي كل فتاة حرمت من والدتها، اسأليها عن شعورها وعن حياتها، وستعلمين ساعتها كم كنت مخطئة في حقها.

سابعا: اعلمي - حفظك الله - أن الله جعل رضاه في رضاهما، وسخطه في سخطهما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (سخط الله في سخط الوالدين، ورضاء الله في رضاء لوالدين)، وهذا يوجب عليك الصبر على أذاها وتحمل أخطائها، مع محاورتها بلطف وود، فلها حق كبير عليك.

يقول الشاعر:
لأمك حق عليك كبيــــر *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنة وزفير
وفي الوضع لا تدري عليها مشقة *** فمن غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسها *** ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها *** حنانا وإشفاقا وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالة *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآها لذي عقل ويتبع الهوى *** وآها لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير

سابعا: إننا نتمنى منك أن تذهبي لوالدتك بود صاف وعقل متفتح، وأن تحدثيها بحب، وستجدين الخير من وراء ذلك إذا ما صبرت على هذا الطريق.

ثامنا: حذاري من أن يستدرجك الشيطان ليوهمك أن النجاة في البعد عنها، أو أن يسول لك بأن الحديث إلى شاب قد يذهب عنك بعض هذه الآلام، احذري ولا تقعي فيما وقع فيه غيرك، لا تستبدلي القلق بالسرطان، ولا تهربي من الأمن المضطرب إلى الخوف الخادع، لا تستمطري غضب الله عليك بمعصية الله، أغلقي كل تواصل محرم مع أي شاب، ولا يغرنك الشيطان بقوله: هذا سيصير خطيبي، ولن أتحدث عنه فيما يغضب الله، بل فقط أتحدث إليه فيما يقلقني، هذا - اختنا - أول المصائب، اليوم حديث، بعده حديث، يعقبه تعود عليه، يعقبه ولاء له، يعقبه كوارث وطمامات، فاحذري – أختنا - والجئي إلى الله لا إلى غيره، فري من الله إليه، واحذري غضبه.

نسأل الله أن يحفظك وأن يحفظ والديك ويبارك لك في عمرهما، وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات