كيف أتوكل على الله حق التوكل؟

0 388

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة كنت مصابة بالسحر، وما زلت أتعالج منه، وتحسنت كثيرا -ولله الحمد- وقد حدث معي نزيف الآن ولم يكن دم الدورة الشهرية، مثل ما أصابني العام الماضي، وتحسنت كثيرا بعد ذلك.

أشعر بالسعادة والأمل بأنني سوف أشفى -بإذن الله-، فكيف أتوكل على الله حق التوكل، وأعلم أن ما أصابني كله بتقدير الله -عز وجل-، مصداقا لقوله تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله"؟

زادكم الله علما، ونفع بكم اﻷمة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ islam حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونحمد الله -تبارك وتعالى- على أن أكرمك واستفدت من كلام الموقع، ويسر الله أمرك، ورفع عنك كثيرا من الحرج، وصرف عنك كثيرا من السوء، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأحب أن أخبرك بأننا دائما على استعداد لاستقبال أي سؤال، أو استفسار أو نصيحة، في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك كيف تتوكلين على الله تعالى؟

فأحب أن أبين لك أن التوكل لا بد له من ركنين:
الركن الأول: الأخذ بالأسباب، بمعنى أن الإنسان إذا أراد أن ينجح لا بد أن يذاكر، وإذا أراد أن يسافر لا بد أن يستعد لسفره، وإذا أراد أن يشفيه الله -تبارك وتعالى- من مرض معين من الأمراض لا بد أن يذهب إلى طبيب ويتناول العلاج.

هذا هو الركن الأساسي والأول وهو الأخذ بالأسباب، ولكن مع الاعتقاد أن الأسباب لا تعمل وحدها، وإنما هي مجرد وسائل مواصلات تنقلني إلى مراد الله تعالى، فحتى وإن أخذت الدواء وأنا مريض، لا أعتقد أن الشفاء في الدواء، وإنما الدواء وسيلة من وسائل الشفاء، والله -تبارك وتعالى- قادر على أن يشفيني بالدواء أو بغيره، والدليل على ذلك أن بعض الناس يكون مريضا فيدعو الله تعالى فيشفيه الله من غير دواء، فنحن نعلم أن الأخذ بالأسباب عبارة عن وسيلة من وسائل تحقيق الهدف الذي نريده، ولكن لا نجزم جزما قاطعا بأنها هي الوسيلة الوحيدة، وإنما نقول هي وسيلة مشروعة لأن الله -تبارك وتعالى- أمرنا بأن نأخذ بالأسباب، وبين لنا أنه جعل لكل شيء سببا، ولذلك قال: {فأتبع سببا} في كلامه عن ذي القرنين.

فإذا نقول -بارك الله فيك- بأن أول شيء إنما هو الأخذ بالأسباب، مع الاعتقاد أن هذه مجرد وسيلة، وأنها ليست هي التي تؤدي إلى تحقيق النتيجة، بعض الناس عندهم اعتقاد فاسد، أنه إذا أخذ الدواء الذي وصفه له الطبيب سوف يشفى قطعا، هذا ليس صحيحا، نقول: الدواء وسيلة للشفاء ولكن الشفاء قد يأتي بالدواء، وقد يأتي من فضل الله تعالى بلا أسباب أصلا، وقد يأتي بالدعاء، سواء كان دعاء الشخص أو غيره، وقد يأتي بالصدقة، أن يتصدق الإنسان صدقة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (داووا مرضاكم بالصدقة)، فإذا أول شيء في التوكل وأهم شيء أن نأخذ بالأسباب، ولكن أن يكون لدينا اليقين -في ذات الوقت- أنها مجرد وسائل، وأنها لا يلزم أن تحقق الذي نريد.

الأمر الثاني أو الشرط الثاني في التوكل: أن نتوجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء أن يقدر الله لنا الخير، فأنا آخذ الدواء وأقول: (اللهم اشفني)، على اعتقادي ويقيني بأن الشافي أساسا هو الله وليس الدواء، وإنما الدواء هو عبارة عن سبب، كما أنك تحتاجين إلى قراءة بعض قصص المتوكلين، وهناك كتب حقيقة في هذا الباب وكتيبات، أعتقد أنك في حاجة إلى أن تقرئي قصص بعض الذين عرف عنهم التوكل عبر التاريخ، وكيف أن هذا التوكل جاءهم بخير عظيم، وبدءا من شخصية النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أراد أن يهاجر -كما تعلمين- أخذ بالأسباب وجهز الرواحل التي يركب عليها، وسلك طريقا غير مأهول، واستعان بخبير بالطريق، هذا هو الجانب المادي (الأخذ بالأسباب)، وترك الأمر بعد ذلك لله -تبارك وتعالى، فأنا أفعل ما أفعل وأترك الأمر لله -تبارك وتعالى- وأنا على يقين أن الله على كل شيء قدير، وأن الله -تبارك وتعالى- لا مكره له، فإن شاء جعل هذه الوسائل سببا في تحقيق ما أريد، وإن شاء أكرمني بوسائل غير التي أعرفها، وإن شاء قدر لي ألا يكون ما أريد لحكمة يعلمها -تبارك وتعالى-.

وأيضا إحسان الظن بالله تعالى بعد تحقيق الأسباب والدعاء، فإن الله عند ظن عبده به، حيث قال الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)، فهذه حقيقة التوكل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بقوله: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا)، فالطير ينزل من عشه إلى الأرض لينقر منقاره في الأرض فيجد رزقه، متوكلا على الله تماما، لا ينظر إلى حوله، ولا إلى قوته، ولا إلى قدرته على الطيران، وإنما يعلم أن الله كتب له رزقه فهو يبحث عنه، كذلك المؤمن يعلم أن الله -تبارك وتعالى- على كل شيء قدير، وهو يأخذ بالأسباب الممكنة والمتاحة بالنسبة له، ويحسن الظن بالله تعالى، ويترك الأمر لله.

هذه حقيقة التوكل، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات