عقتني أمي صغيرا أفأعقها كبيرا؟

0 307

السؤال

السلام عليكم

أشكركم على هذا الموقع المميز.

عمري 22 سنة، أبي وأمي منفصلان عن بعض منذ كان عمري 9 أشهر، أمي تركتني عند جدتي، وهي لا تريدني عندما كنت صغيرا، والآن أمي بعد غياب طويل تريدني وتدعو علي أن لا أشم رائحة الجنة إذا لم ترني، وأنا لا أريدها؛ لأنني لا أحس بأي شعور أنها أمي، وتدعو على جدتي وأبي، وتظلمهم أنهم هم من يمنعوني عنها.

علما أن أهلي لا يمنعوني عن مكالمتها أو رؤيتها، لكن أنا لا أريد أن أراها؛ لأن عائلتها فيها من يتعاطى المخدرات، وأشياء كثيرة، وأنا لا أحس بشعور أنها والدتي.

هل آثم بذلك؟ وهل دعاؤها يستجاب أن لا أشم رائحة الجنة؟ وهل أنا من يدفع الثمن بسبب رميها لي؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه؛ فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: إننا نتفهم تماما طبيعة ما أنت فيه، وندرك أن هذه التنشئة البعيدة عن الأم خلفت جراحا في قلبك، وندرك كذلك أن طبيعة الأسرة التي منها أمك لها عامل سلبي في عدم تقبلك لهذا الوضع.

ثانيا: الأمومة -أخي الحبيب- لا تنتزع من قلب الأمهات أبدا، فأمك هذه على بعدها عنك؛ لك في قلبها منزلة ومكانة، تلك طبيعة الحياة، هي تحبك، نعم أخطأت، ولكن الفطرة شيء، والخطأ شيء آخر، هي من حملتك، وعانت في ذلك أشد المعاناة.

ولذا أوصاك الله تعالى بها في آيات كثيرة منها قوله: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وقوله سبحانه: (حملته أمه وهنا على وهن) أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد الذي يشرف بالأم على الموت، ولا يعرف فظاعته إلا من قاساه من الأمهات.

ثم قال الله (فصاله في عامين) وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، ولا يكاد أن يستغني عنه في سائر أحواله، وهي قد فرغت نفسها ليلها ونهارها من أجله، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصى إليه بتمام الإحسان إليه؟

ثالثا: إننا نود منك أن تشتري جنة عرضها السموات والأرض ببرك لها وإن أخطات، ذلك أنها أحد أبوابك إلى الجنة، ولعل الله يستنقذها بك من هذا الجو الذي تعيش فيه، وتربح أنت رضا مولاك عليك، وأنت فيما يبدو عليك شاب متدين تخاف الله وترجو جنته، ولذلك نحن ندعوك إلى التمسك بما فيه نجاتك، دون اعتبار لما فعلته الوالدة، وتذكر كيف كان سلفك الصالح، وتلك بعض الصور لبرهم أمهاتهم:

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه.

وتوضح عائشة رضي الله عنها بعض مظاهر هذا البر فتقول: كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر من كانا في هذه الأمة بأمهم: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان، فأما عثمان: فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت.

وأما حارثة: فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟.

وكان أبو هريرة إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيرا.

وقال رجل للإمام الحسن البصري: إني قد حججت وإن أمي قد أذنت لي في الحج، فقال له: لقعدة معها تقعدها على مائدتها أحب إلي من حجتك.

وقال إسماعيل بن عون: دخل رجل على الإمام محمد بن سيرين وعنده أمه، فقال الرجل: ما شأن محمد! يشتكي مريض؟ قالوا: لا، ولكنه هكذا يكون إذا كان عند أمه.

وقيل للتابعي الجليل الإمام الحسن البصري: ما البر؟ قال: الحب والبذل، قيل: وما العقوق؟ قال: أن تهجرهما وتحرمهما، ثم قال الحسن: النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برها؟!.

وعن منذر الثوري قال: كان الإمام محمد الحنفية يمشط رأس أمه.

وقال الإمام محمد بن المنكدر: بت أغمز رجل أمي (يعني يضغطها لتخفيف ألمها) وبات أخي عمر يصلي ليلته, فما تسرني ليلته بليلتي.

رابعا: لا يغرنك الشيطان بقوله: هؤلاء كانت لهم أمهات طبيعيات بخلافي أنا! هذا أخي من تلبيس إبليس لك، لأن الله أمرك بالبر حتى ولو دفعاك دفعا إلى الكفر به والعياذ بالله، أمرك الله بعد سماع قولها في الكفر مع حسن مصاحبتهما قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا".

خامسا: أما مسألة الدعاء فنذكرك بقصة جريج، وقد نادت عليه أمه وهو يصلي ثلاثا، فلم يجب، فدعت عليه فاستجاب الله دعاءها، ولكن الله أنجاه من ذلك، وعليه فلا تعرض نفسك لدعائها عليك.

وأخيرا: الأعمار بيد الله عز وجل، ولا تدري كم ستعيش الوالدة ومتى ستموت، وإنا نخشى عليك أن تتأخر فيسبقك الأجل فتظل عمرك نادما على ذلك، اذهب إليها أخي الحبيب، وبرها فهذا من تمام الإحسان لها.

ونسأل الله أن يوفقك لكل خير.

والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات