السؤال
أنا شاب عمري 17 سنة، أنا عدو للحياة وما فيها، وعدو لكافة البشر من ذكر وأنثى، حتى أني لا أؤمن بالحب الذين يتباهى به الشباب، حتى أني لا أؤمن بأن الصديق وقت الضيق، فالصديق عدوي (وصديقي الوحيد الذي تعلمت منه هو الكتاب والقلم).
هكذا علمتني الحياة ألا أثق بأحد حتى ولو كان أقرب الناس إلي من أم وأب وأخ وأخت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به .
وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نقول لك: لقد خالفت صاحبك الذي تتحدث عنه فأصدق الكتب كتاب الله عز وجل، فما قولك في قول الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين * يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}، والمعنى أن المتخالين يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدو، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالوا فيها على تقوى الله فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ويقول الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}، وقد قال أهل العلم: "هنا تعليل لإقامة الإصلاح بين المؤمنين إذا استشرى الحال بينهم، فالجملة موقعها موقع العلة، وقد بنى هذا التعليل على اعتبار حال المسلمين بعضهم مع بعض كحال الإخوة، وجيء بصيغة القصر المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة مبالغة في تقرير هذا الحكم بين المسلمين، فهو قصر ادعائي أو هو قصر إضافي للرد على أصحاب الحالة المفروضة الذين يبغون على غيرهم من المؤمنين، وأخبر عنهم بأنهم إخوة مجازا على وجه التشبيه البليغ زيادة لتقرير معنى الأخوة بينهم حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الإخوة.
وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين؛ لأن شأن (إنما) أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب، ولا يدفع صحته، أو لما ينزل منزلة ذلك كما قال الشيخ في دلائل الإعجاز في الفصل الثاني عشر، وساق عليه شواهد كثيرة من القرآن، وكلام العرب فلذلك كان قوله تعالى:{إنما المؤمنون إخوة} مفيد أن معنى الأخوة بينهم معلوم مقرر".
ثم ما قولك في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أي يحب للمسلم ما يحب لنفسه)، وهذا حث على التعارف بين المسلمين، وقضاء حوائجهم حبا للخير.
بل حث النبي على الصحبة الصالحة وحذر من الخلوة والانعزال عن الغير فقال: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأكل الشاة القاصية، والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة، والعامة، والمسجد).
وعن زر قال: (خطب عمر بالشام، فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم، فقال: استوصوا بأصحابي خيرا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب؛ حتى يعجل الرجل بالشهادة قبل أن يسألها، وباليمين قبل أن يسألها، فمن أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، ومن الاثنين أبعد، فمن سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن).
فاحذر أخي الحبيب أن يظهر لك الشيطان على أن الناس على شر، وأنك لا يجب أن تأمنهم، فهذا أول طريق الهلكة، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم).
واعلم رعاك الله أن أقسى ما وصلنا منك حديثك عن فقدان الثقة حتى في والديك، احذر فهذا باب شر، والزم كتاب الله واقرأه فهو الترياق لما أنت فيه، واعلم أن المرء بإخوانه وإخوانه بدونه، ولن يتوقف العالم إذا لم تصاحبهم، لكنك حتما ستخسر كثيرا إذا لم تتعارف على الصالحين منهم.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، والله الموفق.