أتوب إلى الله ثم أعود للذنوب مرة أخرى، فكيف السبيل إلى التوبة النصوح؟

0 297

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر (25) سنة، أجاهد نفسي دائما على العبادات، ولكنني سرعان ما أفتر وتفتر همتي، وأرجع إلى عادتي في ترك الصلاة، وغيرها من الذنوب.

كنت دائما أتوب إلى الله وأنوي الرجوع، وأعاهد الله على الاجتهاد، ثم أخلف عهدي، أما الآن فقد أصبحت لا أثق بنفسي، ولا أثق بعهدي، صرت أخاف أن أعاهد الله وأرجع لترك الصلاة.

علما بأنني أعلم ما هي عقوبة تارك الصلاة؟ وأعلم فوائدها، لكنني لا أعلم لماذا هذا العصيان؟ أريد أن أستمر في عبادة ربي، ولا أريد قطع الصلاة، لكنني أخاف من التوبة؛ لأنني لا أثق بتوبتي، وأستحي من ربي من أن أعود لمعصيته.

صرت لا أشعر بلذة التوبة، وكأنها من وراء قلبي، أي كأنني احتال على ربي -والعياذ بالله-، ماذا أفعل؟ هناك أمور كثيرة دنيوية أريد تحقيقها، وأخاف أن تكون توبتي طمعا في الدنيا، كيف أرضي الله ليرضى عني؟ كيف أجعل قلبي معلقا بالله؟

كيف أدعو الله؟ لا أشعر بالخشوع والتذلل والقرب من الله في الدعاء، صرت قليلة الدعاء؛ لأنني لا أجد لذته، أريد أن أرتاح، وأريد الإجابة عن كل تساؤلاتي، أريد التوبة من القلب، فكيف أكون صادقة مع نفسي، ومع ربي؟

وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه، وعلى كل جهودكم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لمياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يعينك على التخلص من هذه المعاصي والأخطاء، وأن يمن عليك بتوبة صادقة نصوح، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة-: فأحب أن أبين لك أن الشيطان -لعنه الله-، هو الوحيد المستفيد من عدم التوبة، ولذلك هو الذي يضيق عليك هذه الأمور، وهو الذي يقول لك: بأنه لا أمل، وبأن هذه التوبة لن تفيدك في شيء، وأنك كالمستهزئة بربك، إلى غير ذلك من الكلام الذي ليس له معنى.

ولذلك أنت الآن عندما استجبت لهذه الهواجس النفسية، وهذه الأفكار الشيطانية فرح الشيطان بك فرحا عظيما؛ لأن الشيطان يريد أن يغلق أمامنا أبواب الرحمة، ويريد أن يغلق أمامنا أبواب التوبة، ويريد أن يغلق أمامنا أبواب المغفرة.

أنا أسألك سؤالا واحدا: هل أنت أذنبت كهذا الرجل الذي قتل مائة نفس؟ هل ذنوبك وصلت إلى هذا الحد؟ ورغم ذلك عندما سأل الله تبارك وتعالى بصدق أكرمه الله تبارك وتعالى وقبل منه.

إذا القضية التي أريد أن أركز عليها ألا تتوقفي أبدا عن التوبة، حتى وإن رجعت في الذنب، حتى وإن رجعت مائة مرة لا تتوقفي عن التوبة مطلقا، حتى وإن كانت يبدو لك أنها شكلية، وحافظي على الصلاة؛ لأنك بترك الصلاة ترمين نفسك في أحضان الشيطان، فالصلاة صلة بينك وبين الله تعالى، والصلاة الله تبارك وتعالى جعلها عامل تقوية للعبد المؤمن، فأنت عندما تصلين حتى وإن كانت ضعيفة، حتى وإن كانت بلا خشوع، تستمدين القوة من الله تبارك وتعالى، فتركك للصلاة معناه أنك قطعا لا يمكن أن تتوبي، ومعناه أنك قطعا لن تفلحي أساسا، وأنت تعلمين كما ذكرت من خلال كلامك أن حكم الصلاة معروف لديك، وأن عقوبة تركها معروفة، وأن آثارها وفوائدها معروفة.

فإذا عليك بالمحافظة على الصلاة، حتى وإن كانت بغير خشوع، وعليك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى حتى وإن كان أمرا من أمور الدنيا، لماذا؟ لأن الله هو ملك الدنيا والآخرة، وهو الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، فلا تترددي -بارك الله فيك- أبدا، وعليك بالتوبة.

ولكن الذي أريده أن تكون هذه التوبة هذه المرة تختلف عن المرات السابقة، أتمنى أن تجلسي وحدك مع نفسك، ليس معك أحد، وأن تلومي نفسك، تقولي: (يا نفسي إلى متى مخالفة أوامر الله تعالى؟)، وحاولي أن تعاتبيها بالطريقة التي ترينها مناسبة، ثم تقولي: (يا نفسي إني عقدت العزم من الآن على ألا أفعل ما يغضب الله تبارك وتعالى أبدا، وأنا جادة هذه المرة، ولن أتراجع بحال من الأحوال، وأعلم أنك لا تحبين ذلك، ولكني سأفعله لأن فيه نجاتي في الدنيا والآخرة).

خاطبي نفسك بهذا الخطاب، ثم بعد ذلك -بارك الله فيك- ابحثي عن العوامل التي تؤدي إلى وقوعك في المعصية، قومي بالقضاء عليها، على سبيل المثال: لو أنك تدخلين إلى بعض المواقع المحرمة حاولي -بارك الله فيك- ألا تدخلي، إذا كان الجهاز عندك في مكان يسهل عليك أن تدخلي إلى الإنترنت، فأخرجيه من الغرفة التي أنت فيها، واجعليه في مكان عام على سبيل المثال، أو لا تدخلي ليلا وقد نام أهلك مثلا.

حاولي –بارك الله فيك– أن تغيري الواقع، وحاولي إذا أردت الدخول إلى النت أن تحددي الهدف من الدخول قبل الدخول، قبل أن تفتحي الجهاز، وأن تجلسي إليه تقولين: (يا لمياء: ماذا تريدين من الدخول الآن؟ أنا أريد أن أدخل موقع كذا، لا تدخلي إلى أي موقع آخر، حتى لا تضعفي أمام هذه الأشياء).

مهما كان الأمر الذي تريدينه من أمور الدنيا، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، لأنه يحب أن يسأل، بل إنه يحب الملحين في الدعاء، بل إن من لا يسأل الله يغضب عليه، فلا تيأسي من روح الله أبدا، وعودي إلى الله؛ لأن الله يفرح بعودتك أعظم من فرح الإنسان بعودة ابنه الغائب عنه منذ عشرين أو ثلاثين عاما.

أبشري بفرج من الله قريب، وأحسني الظن بالله، واعلمي أن الله تبارك وتعالى قال كما ورد في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فلا يظنن عبدي بي إلا خيرا)، فأحسني الظن بالله تعالى، واتركي عنك هذه الأوهام وهذه الأفكار الفاسدة التي تضرك ولا تنفعك، وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات