ضميري يؤنبني لعدم قدرتي على خدمة ديني كما ينبغي!

0 285

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في موقعكم، وجزاكم الله خيرا.

لدي مشكلة كبيرة وتؤرقني جدا، وهي بأن نومي عميق جدا، وأجد الصعوبة في القيام من النوم بحيث إنني أحيانا وقليلا وليس دائما تفوتني صلاتان فأصليهما بعد الاستيقاظ، وتكون الصلاة الأولى التي فاتتني والثانية بعدها، فهل هنالك إثم علي مع خروج وقت الأولى أو كليهما؟ وهل هنالك إثم على بعض الناس بعدم الصلاة أو عندما تفوتهم الصلاة؟ أم يجب أداؤها حتى في حال خروج الوقت؟

علما بأني أصلي جميع الصلوات في المسجد في حال الاستيقاظ، وعدم ترك أي صلاة.

ثانيا: أحس بأنني مقصر تجاه ربي عز وجل، وأحس بتأنيب ضميري، أو بالحزن الدائم عندما أرى شخصا داعية يدعو للإسلام، أو عندما أرى شخصا بنى مسجدا، أو عندما أرى شخصا يساند ضعيفا إلى آخر الأمثلة الكثيرة، وأنا لا أفعل شيئا مثلهما، أريد أن أفعل كل شيء له ثواب وخير في هذه الحياة، ولا أترك شيئا إطلاقا.

أعلم بأن هذا مستحيل علي، لكني حزين وأحقر ذاتي بسبب ذلك، وأنا دائما أحس بأنني مقصر تجاه ربي، خصوصا بأني أفعل كل ما أؤمر به، وأتجنب ما نهى عنه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: نريد ابتداء أن نتحدث عن أهمية صلاة الجماعة في المسجد.

اعلم -أخي الفاضل- أن الصلاة في المسجد من شعائر الإسلام الظاهرة، والحرص عليها واجب عند بعض أهل العلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة ذلك فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" وقد حذر النبي الصحابة من التهاون في الصلاة على وقتها في المسجد فقد قال عبد الله بن مسعود : (من سره أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم).

هذا التحذير أخي في حق من حافظ على الصلاة في وقتها ولكن في غير المسجد، لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم له، بل حتى الأعمى لم يرخص له فقد جاء رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة؟)، فقال: نعم، قال: (فأجب)؛ رواه مسلم، وفي رواية لأبي داود قال: (لا أجد لك رخصة)، وفي رواية أخرى قال: (أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ فحيهلا) قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: "وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا، فغيره أولى".

ثانيا: بالنسبة لحكم من نام عن الصلاة من غير تعمد ففاتته الصلاة، فإنه لا إثم عليه، وعليه أن يقضيها فور استيقاظه على التتابع إن كان أكثر من فرض.

ثالثا: لا ينبغي أن تأخذ هذا الحكم ديدنا لك، بل عليك أن تنظر في علة النوم الطويل، وهل له علاج أم لا، واحذر أن تنام قبل وقت قصير من الصلاة حتى لا تضيع عليك، فإن هذا قد يعد من التعمد، وهذا له أحكام مغلظة في الشريعة.

رابعا: قد ذكرت -أخي الحبيب- أنك تشعر بالتقصير في علاقتك بربك، وهذا أمر حسن فإن شعورك بالتقصير سيدفعك إلى معالجته.

خامسا: إننا نوصيك -أخي الحبيب- بعدة أمور:

أ- المحافظة على فرائض الله عليك فهذا أول الطريق، وقد روي البخاري في صحيحة أن الله عز وجل يقول في حديثه القدسي:( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)

ب ـ الابتعاد عن المعاصي، فإن المعصية لها نكتة في القلب، ولها آثار سلبية، وقد أفاض ابن القيم في ذلك وذكر من آثارها:

1- "حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية".

2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم:( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دآبتي وامرأتي".

4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا .

5- أن العاصي يجد ظلمة في قلبه، يحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سوادا يراه كل أحد، قال عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن, ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".

6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة، ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضا طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.

7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .

8- أن المعاصي تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير، وقلبه معقود بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .

9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.

10- أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }، قال: هو الذنب بعد الذنب.

ج- مصاحبة الصالحين، فإن المرء بإخوانه وإخوانه بدونه، والعمل منفردا عن محيط إخوة يذكروك بالله يجعلك عرضة للشيطان وغنيمة باردة له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد).

أخيرا: ننصحك بعلو الهمة وقراءة كتاب فيه، مع قراءة كتاب ظاهرة ضعف الإيمان، وهما على الشبكة العالمية (الانترنت) نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات