السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله في هذا الشهر الفضيل لك يا دكتور/ محمد عبد العليم أن يعتق رقبتك من النار، وأن يدخلك الجنة من جميع أبوابها دون عذاب ولا سابق حساب.
جوابك لاستشارتي بفضل الله بعث في نفسي السرور، والحمد لله أن الذي عندي ليس اكتئابا إنما هو قلق اكتئابي وأظنه أقل ضررا، وقد عزمت على المضي قدما -بإذن الله-، لن أيأس، فلا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.
لكن كيف لقلق أن يفعل بالمرء ما فعل بي، والله إنه فعل بي العجب العجاب، شيء لا يصدقه عاقل ولا مجنون حتى، والله إنني بت أشعر وكأنني خيال، أي والله محض خيال تائه، أعيش لمجرد أنني لا أزال أتنفس لا أكثر ولا أقل، مشوشة جدا وتائهة، لا أقول لك إنني منعزلة، لا، حتى إنني أذهب لصلاة التراويح في جامع قبيلتنا، والحمد لله على نعمته هذه.
هل تعلم شعورك وأنت تجلس على كرسي غير متماسك ومهزوز، هكذا شعوري حاليا، هناك فجوة بين جسدي وروحي، فكيف أستطيع أن ألملم شتات نفسي من جديد؟ كيف أجعل نفسي تواقة ليوم آخر تعطي فيه كل ما هو مفيد؟
أريد منك أن تحاول بأقصى ما عندك أن تشرح لي كيف أستطيع أن أتعافى؟ وأعدك بأنني سأفعل قصارى جهدي حتى أقوم بكل ما سيتطلبه الشفاء، وأريد منك أن تشرح لي الأسس الأربع للعلاج، ومن فضلك أن تشرحها لي بشيء من التفصيل، وأريد منك أن تسمي لي أفضل دواء لعلاجي، ولماذا لم تطرح علي استخدام البرزواك في الاستشارة السابقة؟ وما هو الحوار الوسواسي مع الذات؟ وكيف أوقف هذا الحوار مع الذات؟ وكيف أوقف كل هذه الأفكار التي تقلل من تركيزي وإدراكي؟
أسأل الله أن يشرح لك صدرك ويغفر لك ذنبك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على كلماتك الطيبة.
رسالتك مطمئنة جدا، هذه المقدرة التعبيرية الرائعة تدل أن إمكاناتك النفسية والفكرية سليمة جدا، والحمد لله تعالى لم يخترقها القلق الوسواسي، ولم يضعفها أبدا.
أنا أقدر مشاعرك، وهي بالطبع سلبية، ويظهر أنها ناشئة من فكر سلبي، والعلاج في هذه الحالة هو تفعيل الأفعال، لأن السلوك الإنساني –كما ذكرنا سلفا– يتمثل ويتكون من أفكار ومشاعر وأفعال، مهما كانت الأفكار سلبية ومهما كانت المشاعر غير مرضية يجب أن نفعل ضلع الأفعال، وحين نفعل، وحين نثابر يعود علينا مردود إيجابي عظيم يغير من أفكارنا ومشاعرنا ويجعلها إيجابية.
المعادلة في غاية البساطة –أيتها الفاضلة الكريمة– والتغيير لا بد أن يأتي منك، وقد حباك الله تعالى بطاقات قد تكون كامنة ومختبئة، أخرجيها وببساطة. حسن إدارة الوقت هو باب النجاح وباب هزيمة الاكتئاب، والأمر الآخر هو أن يكون لك مشاريع مستقبلية، وقد وجدنا أن بر الوالدين والتواصل الاجتماعي تيضيف إضافات عظيمة جدا لحياة الناس، أي أن القلق السلبي يمكن أن يتحول إلى قلق إيجابي.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وبالنسبة للبروزاك هو دواء رائع، ليس هنالك ما يمنع استعماله، وإن كان ليس بالجيد مائة بالمائة في علاج القلق، لكنه يحتوي تماما على الآثار الاكتئابية، والزولفت أيضا قد يكون بديلا ممتازا، وأنا أحبذ حقيقة أن تذهبي وتقابلي طبيبا نفسيا، خاصة فيما يتعلق بموضوع الأدوية.
بالنسبة للمحاور الأربعة في العلاج:
أولا: العلاج الإسلامي معروف تماما، وهو أن يلتزم الإنسان بعباداته (صلاته، صيامه، قيامه، تلاوة قرآنه)، وأن يسعى دائما للخير وللبر بوالديه، وأن يعرف أن الإنسان عليه مسؤولية عظيمة وهي عمارة الأرض، فهذا هو الجانب الإسلامي، أي جانب تحريك الفعالية في النفس.
الجانب الاجتماعي معروف –أيتها الفاضلة الكريمة– في التواصل الاجتماعي، والتطور الاجتماعي هو بناء مهارات جديدة.
الجانب النفسي هو الجانب الفكري، أن أبدل ما هو سلبي وأجعله إيجابيا، وأن أرفض ما هو وسواسي وأجعله أمرا واضحا ومحوريا.
هذه هي الأسس –أيتها الفاضلة الكريمة-.
الحوار الوسواسي هو الاسترسال مع الفكر الوسواسي، ومحاولة وجود تبريرات له، وهنالك إشارة عظيمة جدا في الحديث النبوي: (يأتي الشيطان لأحدكم ويقول: من خلق كذا من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا كان كذلك فليقل آمنت بالله، ثم ينته)، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- يعني أن الأسئلة تتوارد، وتطرح نفسها على الإنسان بصورة يجيب عليها، مما يولد أسئلة وسواسية أخرى.
لدي سيدة فاضلة تأتيني وتراجعني في العيادة أنجبت طفلها الثاني، وقد سيطر عليها وسواس قبيح، وهو أن ابنها قد تم استبداله في غرفة الولادة بطفل آخر، هذا من أسوأ أنواع الوساوس، فهذه السيدة تجلس وتحلل وتتكلم عن تحليل الـ (DNA) وبعد ذلك تشطح بفكرها، وربما يكون تحليل الـ (DNA) أيضا ليس صحيحا مائة بالمائة، وهذا حوار وسواسي، ولا شك في ذلك، ولن يوصلها لنتيجة، بل سيعقد الأمور أكثر، ولكن بفضل الله تعالى الآن تحسنت حالتها جدا من خلال الجلسات المباشرة معي، وكذلك بسبب تناول الأدوية.
الحوار مع الذات يوقف من خلال حسن إدارة الوقت، وتحقير ما هو غير ضروري، وإعلاء شأن ما هو مهم.
النوم المبكر، تلاوة القرآن، ممارسة الرياضة تحسن جدا من التركيز.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.