السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما كنت صغيرا كنت متفوقا في الدراسة، وأعيش حياة عادية، ولكن بعد فترة بدأت أحلم بأنني أصعد فوق سطح المنزل وأرمي نفسي، تكرر معي هذا الحلم كثيرا، ولكن لم يعد يأتني الآن، ثم نسيت كل شيء فجأة، لم أحب المذاكرة وكرهتها، وبدأت أستحي من الناس، وأصبحت حزينا وكئيبا، ونحف جسمي، وأميل إلى العزلة، وعندما يتحدث الناس أحس وكأنني لست معهم لا أفهم شيئا، لا أستطيع أن أنظر لنفسي في المرآة، وأحس عندما أمشي في الشارع أو أتكلم مع أحد أن كل الناس تنظر إلي، وممكن أن أبكي بسهولة جدا على رؤية أي أحد مكروب، وعندما يكلمني أي واحد أتعلق به أحس أنه أحبني ولو لم أكن أعرفه، وكثير النسيان والسرحان والخمول، وأصابني التبول الليلي ولمدة كبيرة وشفيت منه الحمد لله، ودائما أشعر بالبرد في الأطراف، وخفقان في القلب دائم، ولا أنام جيدا، وإن نمت أستيقظ وكأني لم أنم.
الآن صرت بعمر 35 سنة، وأجيد تجويد القرآن، وأسمع المحاضرات، ولكني لا أستطيع أن أصلي بالناس، أو أتكلم أمامهم بكلمة في الدعوة، مع العلم أنني محافظ على الصلوات في المسجد.
حدث هذا لي وأنا في الصغر (كذبت مرة وأنا في صغري (في الابتدائي)، فما كان من أبي رحمه الله إلا أنه ضربني ونهرني، وكتب على ورقة كلمة كذاب، ووضعها على صدري ومشى بي في الشارع أمام الناس.
هربت من المنزل وأنا صغير، والآن لا أستطيع أن أستوعب شيئا من العلم مع كثرة النسيان والعزلة.
أصبحت لا أنام من كثرة التفكير، عندما يكون لي موعد أو أي شيء أقوم به، وحتى لو شيء مضى أفكر فيه أيضا وأطول فيه التفكير، أتخيله أمامي وأركز فيه وهو لم يحن وقته أصلا، وأجلس أفكر فيه طويلا، سوف أفعل كذا وكذا، وسوف أقول كذا.
ما توجيهكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
عدم التركيز الذي تعاني منه، والنسيان، والشعور بالعزلة، هذا كله ناتج من قلق نفسي، ولديك أيضا نوع من المخاوف الاجتماعية من الدرجة البسيطة، لا أعتقد أنك تعاني من اكتئاب نفسي، ربما يكون لديك فقط عسر بسيط في المزاج ناتج من حالة قلق المخاوف التي تعاني منها.
أيها الفاضل الكريم: الحادثة التي حدثت لك مع والدك حين قام بضربك؛ أعتقد أنها لها جوانب إيجابية، ولها جوانب سلبية، الجوانب الإيجابية قطعا: والدك حاول أن يصلح من منظومتك القيمية، ويجعلك تتحرى الصدق في حياتك، وهذا أمر طيب، والجانب السلبي قطعا: التقريع والضرب قد يكون له بعض الآثار السلبية في حياة الإنسان من الناحية التطورية والارتقائية.
لكن عموما أريدك أن تعتبر التجربة هذه تجربة إيجابية، حتى وإن سببت لك شيئا من المخاوف التي تعاني منها الآن.
الذي تحتاجه هو أن تنظم حياتك بصورة أفضل، أن تجعل نمط حياتك مرتبا، أن تنام مبكرا، أن تمارس الرياضة، أن تصر على التواصل الاجتماعي، وأنت - الحمد لله تعالى – حريص على الصلاة، وليس هنالك ما يمنعك أن تصلي بالناس ما داموا قد أعطوك هذه الثقة والتي أنت أهل لها، مارس رياضة جماعية مثل: رياضة المشي، أو كرة القدم مثلا، هذا كله يجعلك -إن شاء الله تعالى- تتحسن جدا.
تناول دواء مضادا للمخاوف أعتقد أنه سوف يجعل كل هذه الأعراض تختفي تماما. من أفضل الأدوية التي أصفها في مثل هذه الحالات يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو يعرف تجاريا أيضا باسم (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) ربما تجده في البلد الذي تعيش فيه – فرنسا – تحت مسمى آخر.
يمكنك أن تذهب وتقابل طبيبا نفسيا، أو طبيب الأسرة، وإن لم يتيسر لك ذلك يمكن أن تطلب الدواء من الصيدلية مباشرة، فهو دواء سليم، وفي معظم الدول لا يحتاج لوصفة طبية.
الجرعة هي أن تبدأ بـ 25 مليجراما – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على 50 مليجرام – تناولها ليلا بعد الأكل لمدة 10 أيام، ثم اجعلها حبة واحدة ليلا، واستمر عليها لمدة 6 أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدا.
أيها الفاضل الكريم: بعد ذلك خفض جرعة الدواء واجعلها 25 مليجراما ليلا – أي نصف حبة - لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
السيرترالين دواء رائع، دواء سليم جدا، ليس له آثار جانبية، فقط في بعض الحالات قد يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن لدى بعض الناس، كما أنه ربما يؤخر القذف المنوي بالنسبة للرجال عند الجماع، لكنه قطعا لا يؤثر أبدا على الصحة الإنجابية لدى الرجل أو المرأة، وبفضل الله تعالى هو دواء غير إدماني، والجرعة التي وصفتها لك هي أصلا جرعة صغيرة، وهي حبة واحدة في اليوم، علما بأن هذا الدواء يمكن أن يتم تناوله حتى أربع حبات في اليوم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.