السؤال
السلام عليكم
جزاكم الله كل خير على ما تقدمونه.
عمري 30 سنة، أعاني من مشكلة نفسية، وهي أن بعض الأقارب والأصدقاء أساعدهم إذا احتاجوا مني شيئا، خاصة في المجال العلمي، وعندما لا يحتاجون شيئا يديرون لي ظهورهم، وهذا الأمر يضايقني كثيرا؛ مما اضطرني إلى الاستغناء عن الكثير من الأصدقاء والأقارب، وأحيانا يأتي في نفسي وصدري شعور بالكراهية، عندما أتذكر هؤلاء، وتراودني مشاعر شريرة تجاههم.
عندما أكون مع هذا النوع من الناس أستمع لهم، وأقدم النصيحة الأخوية لهم، وهم لا يفعلون، ولا يمدون لي يد المساعدة حين أحتاجهم، فكيف أتخلص من هذا الشعور بصفة نهائية؟
ولدي مشكلة أخرى: وهي أنني تمر علي بعض الأوقات أشعر فيها بضعف في الثقة بالنفس، وعدم القدرة على تصور نجاح وصلاح الحال في وقت ما. فكيف أقوي ثقتي بنفسي؟
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر عليك تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما استصعب أمره عليك، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: شكر الله لك أخي الحبيب مساعدتك للغير، وهذا من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل، وتلك المساعدة تدل على خير أنت فيه، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.
ثانيا أخي الحبيب: تجاهل الناس لك عند الحاجة إليهم أمر نحن نتفهمه تماما، ونعلم أنك ساعتها تتألم، لكن أخي إن كنت تساعد الناس لأجل أن يساعدوك فبئست تلك البضاعة، وإن كنت تساعد الناس لله، فتلك والله النعيم الدائم، وصاحب هذه الهمة لا ينتظر عونا من أحد من البشر، بل العون ينتظره من الله وحده.
ثالثا: يقوي عزمك على مساعدة الآخرين دون انتظار عطاء منهم ما ورد في فضل هذا العمل الجليل، فلا يخفاك أن هذا الصنيع هو لون من ألوان الإحسان، وقد قال تعالى: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" وقال سبحانه: " إن رحمت الله قريب من المحسنين" وقال سبحانه: "نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين" ولك أن تتخيل أنك بفعلك حبيب من الله، وقريب من رحمته، ولن يضيع الله أجرك.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن عبد الله بن عمر ـرضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
وقد ثبت عن أبي أمامة ـرضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد من العمر.
وعن ابن عمر ـرضي الله عنهما-: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـحتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام.
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من منح منيحة لبن أو ورق أو هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة.
قال الترمذي: ومعنى قوله: من منح منيحة ورق، إنما يعني به قرض الدراهم. قوله: أو هدى زقاقا، يعني به هداية الطريق.
كل هذه وغيرها كثير مما يرغبك في عدم ترك هذا الفضل أبدا أخي الحبيب.
رابعا : الثقة بالنفس أخي هو إحساس داخلي تستشعر به فيترجم إلى مواقف ثابتة وحركات مستقيمة، وأهم فائدة في الثقة بالنفس أنها تجعل منك إنسانا طبيعيا، بل والأجمل أنه يتقبل النقد بكل أريحية.
خامسا: حتى تكتسب الثقة لا بد من الحذر من ثلاثة أمور:
- تهويل الأمور وتضخيم المواقف، بحيث تشعر أن من حولك يركزون على ضعفك، ويرقبون كل حركة غير طبيعية تقوم بها، هذا وهم وعلاجه هو الانشغال بالأهداف والتغافل عن سفاسف الأمور.
- عدم اعتبار نقد الناس لك هو المعيار الحقيقي لصوابك أو خطئك، هذا خلل خطير، فالمعيار الحقيقي هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعا، وليس حديث الناس.
- كثرة التفكير في كل انتقاد يوجه إليك، وهذا أيضا خطأ لأن كل إنسان له ثقافته ورؤيته، وليس كل كلام الناس صوابا، كما أن أفعالك كلها ليست صوابا، والاستسلام لكلام الناس واعتبار حديثهم أمرا مقدسا له تبعاته السلبية، كما أن تجاهل نصائحهم له كذلك تبعات سلبية.
وننصحك أخي الحبيب بمصاحبة من هم أكبر منك سنا، على أن يكونوا من أهل الصلاح والتقوى والعقل، ولا تتهيب الخطأ فلن يتعلم من لم يخطء.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله المستعان.