السؤال
السلام عليكم
أنا بعمر 17 سنة، والوسوسة تهلكني كلما أتوب، وأشد الوسواس في تنظيم الحياة.
أفكر كثيرا وتأتيني وساوس في التنظيم، مثل برامج الجوال، هل أرتبها بهذه الطريقة أم بهذه الطريقة؟ هل أضع كتبي في الدرج الأول أو الثاني؟ وأيضا لا أستطيع ممارسة أي عمل كان، ولا أفكر في أشياء أخرى، مثلا أذهب لفعل الرياضة ثم أتذكر هل نسيت جوالي أم نسيت محفظتي أو أشعر أني ناقصني شيء أو نسيت شيئا أو أني سأقع في مصيبة، وهكذا!!
أنا أخاف وأشعر أن الحياة معقدة وصعبة ومؤلمة ومحبطة بسبب ما أواجه من كثرة المشاكل النفسية، وبعض المشاكل الحياتية، هل أضع جدولا للصلوات الخمس والقرآن والضحى، والأذكار وأغراض البيت؟ لأني أخاف أن أنساها، أخاف من الحياة ومشاكلها.
أرجو منكم أن توجهوني، كيف أتعامل مع الحياة وأنجح فيها وأكون مستقيما؟ أرجو منكم مساعدتي وعدم الإحالة.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.
أما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
-ما تعانيه -أخي الفاضل- هو كما قلت: نوع من أنواع الوسواس القهري وعلاجه أخي يسير، وباتباع النصائح ستجد الأمر يسيرا عليك، ونحن على ثقة من أن هذا الأمر عارض وزائل إن شاء الله.
- ينبغي عليك أن تعلم أن الوسواس شأن نفسي، وعلاجه كذلك نفسي، وإننا ندعوك أن تفهم معنا طبيعة نشاط الوسواس؛ حتى تستطيع التعامل معه ومن ثم التغلب عليه.
اعلم -بارك الله فيك- أن الوسواس لا ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي، وهو عبارة عن خلل في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والعقد العصبية العميقة التي تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار.
لذلك إذا أردت القضاء عليه فلابد أن تحول كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان إذا ربطه في فكره بالسخف هان عليه التعامل معه وسهل عليه القضاء عليه، لذلك ردد دوما في نفسك: هذا وسواس، فاضي، سخيف.
هذا نوع من أنواع التغيير المعرفي، وهو هام أخي الفاضل، فحين يستخف الإنسان شيئا فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يصبح ليس جزءا من حالة الإنسان الدائمة؛ لذلك ندعوك أن تستخف به وأن تحتقره فكريا، حتى تصل إلى قناعة أنه سخيف.
- تقبل وجود الوسواس دون أن تضخمه، وتعايش معه حتى تتخلص منه، فإذا أردت الذهاب إلى مكان ما ذكر نفسك بكل ما تريده من أغراض ورتبها، ثم بعد ذلك توكل على الله، وما نسيته أمر طبيعي يحدث مع أي أحد، إن كان هاما وبمقدورك الرجوع إليه دون خلل ما في برنامجك فلا حرج، وإن كان ليس هاما أو لا يمكنك الرجوع إليه فاطرح الأمر من رأسك، وقل لعل هذا هو الأفضل لي.
اتخذ قرارك ولا تهتم بكثرة التفكير بعد ذلك، ولا تنشغل بالمهم عن الأهم، ولا بالأقل عن الأكثر.
- الخوف المسيطر عليك من وجود مصاب يلحق بك أو شيء يضرك -نسأل الله أن يعافيك- هو أشد من المصاب نفسه، فالتفكير في وقوع البلاء على النفس أعظم من البلاء إذا وقع، ولذلك لا تفكر كثيرا، واعلم أن الأمور تسير بقدر الله عز وجل، وأن الله ولي من والاه، وإيمانك بالله ويقينك فيه سيعينك على تجاوز المحنة، وسيعمل على تدمير هذا الشعور السلبي وخاصة حين تؤمن بأن قضاء الله نافذ، وأن الله لا يقدر لعبده إلا الخير، والخلق جميعا لو اجتمعوا على إيذاء أحد لن يقدروا إلا إذا قدر الله ذلك، وتذكر دائما حديث عبد الله ابن عباس حين قال: "كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال:" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" فلن يستطيع أحد إيذاءك أبدا، ولن يقدر أحد على أن يصيبك بمكروه، ثق أن الله حافظك.
هذا أول ما ينبغي أن تجعله في قلبك، وليكن شعارك قول الله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} هنا تجد الاطمئنان والبشر والسعادة والسرور وراحة البال ملازمة لك.
- اجتهد في التعرف على صحبة صالحة، واجتهد أن تقوم معهم بعمل اجتماعي أو دعوى أو إغاثي أو إنساني، المهم أن تشغل وقتك بمساعدة غيرك.
عليك بالدعاء -أخي- وثق أن الله يستجيب لمن دعاه، ويقبل على من أقبل عليه، نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يصرف عنك كل سوء.
والله المستعان.