السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا زكريا من الجزائر، العمر 20 سنة، طالب في الجامعة، أرى أن مستواي جيد، ومسيطر عليه، ولما أريد الحصول على علامات جيدة أفعل، ارتأيت أن أستشيركم، وسأدخل في الموضوع مباشرة، حالتي فيها عدة نقاط، وسأبدأ بأهمها:
أولها: أنني كلما أتحمس لشيء مثل شراء حاسوب جديد، والذهاب للدراسة في بلد ما، أو أتحمس لبدء رياضة ما، أو دراسة تخصص ما؛ دائما أرى نفسي أتحمس بقوة، وفجأة ينخفض حماسي تدريجيا، وبعدها يعود مرة أخرى، ولم أجد تفسيرا للأمر.
في السنتين الأخيرتين أصبحت أشعر بالوحدة، رغم أنه من الممكن أن تجدني أضحك، وأتكلم مع أصدقائي، ولكني داخليا حزين، ملل لا أعرف ماذا أفعل؟ أحيانا أصل لدرجة أن أقول: إن الدنيا بدون فائدة، وما هي فقط إلا لجمع حسنات، ونعود لخالقنا، فلماذا نتعب أنفسنا بمشاريع، ونخطط للمستقبل؟
أصبحت في حيرة من المجتمع، يتسارعون ويتسابقون من أجل الدنيا، ولكن ما الفائدة؟ فيصل بي الأمر إلى أنه لو عرض علي في تلك اللحظات مال الدنيا وكل كنوزها؛ فلن يحرك في نفسي شيئا.
تجدني أقرأ القرآن، وأحاول -قدر المستطاع- أن أصلي في وقتي، ويمكن القول: إن الروتين جعلني أصل لهذه الحالة، حتى عندما أخرج مع أصحابي أقول في نفسي: لماذا خرجت؟ كان من الأحسن لي لو بقيت في المنزل؛ لشعرت براحة أكبر. لا أعلم ما هذه التناقضات في نفسي؟
منذ أن كنت صغيرا أبحث؛ لكي أعمل في شيء يعطي سلطة، يعني في الجيش، أو ما شابه، ولما تمر علي سيارة والضوء حق الأمن منير؛ أشعر بشعور رائع لا أشعره مع أي شيء آخر.
أرى أن أوقف دراستي وأدخل في أكاديمية عسكرية؛ عسى أن أجد سعادتي وحلاوة الحياة فيها.
والنهاية لم يبق لي إلا شكركم، وأظن أنني لم أشرح ما في نفسي جيدا؛ لأنه شيء مستحيل، فهنالك ملايين الأفكار تتخبط في ذهني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زكريا حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.
أخي الكريم: الإحساس الذي ينتابك ربما يكون أحد أعراض اضطراب المزاج، فيشعر الشخص بعدم الاستمتاع بالحياة وبملذاتها، وبما هو مباح من أمور الدنيا، وتكون نظرته سوداوية لكل ما يفرح ويسر النفس، قليل الدافعية، متردد في اتخاذ القرار، انعزال وشعور بالوحدة.
وإذا نظرنا للدنيا بهذا المنظار الذي تنظر به؛ لتوقفت كل النشاطات التي نمارسها في الحياة، فلا تعليم، ولا عمل، ولا زواج، ولا إنجاب، نكون فقط في انتظار الموت -ولا رهبانية في الإسلام- وهذا قد يؤدي إلى تعطيل عجلة الحياة؛ فلا تقدم علمي، ولا تكنولوجي، ويظل وجود الشخص في الحياة سلبيا إذا استسلم واستكان لمثل هذه الأفكار.
والمؤمن ينبغي عليه أن يسخر كل عاداته ونشاطاته وممارساته الحياتية في خدمة الدين، فتصبح العادة عبادة، وبالتالي يكون قد حقق ما خلق من أجله عبادة الله تعالى –أولا- ثم تعمير الأرض. والعبادة ليست مقصورة على الشعائر الدينية فقط، وإنما هناك العديد من الأجور تأتي من أبواب خدمة الآخرين ومساعدتهم ونفعهم بشتى ضروب المنفعة العلمية والصحية، وتسهيل الأمور الحياتية، وكل ما فيها من رفاهية، وخدمة للمسلمين، وفي كل كبد رطبة أجر، فهناك أجور محصورة في الشخص فقط، وأجور متعدية، وهي الأفضل؛ لأن المصلح أفضل من الصالح في الأجر، والحي أفضل من الميت؛ لأن عمله وعطاءه ودوره ومساهمته في الحياة لم تنقطع، وخير الناس من طال عمره وحسن عمله. فلا تضيع فرصة الحياة، بل اجتهد، واعمل، فالدنيا مطية الآخرة.
بادر -أخي الكريم- بإسعاد الآخرين، وحاول رسم البسمة في وجوه الآخرين، وكن شمعة تضيء طريق الآخرين، واخدمهم بإخلاص؛ تشعر -إن شاء الله- بالسعادة وبالسرور.
نطلب منك -أخي الكريم- أن تبعد شبح العجز واليأس الذي خيم على قلبك وفكرك، واستبدله بروح التفاؤل والنظرة المشرقة للحياة، فأنت -مؤكد- لديك العديد من القدرات والطاقات، ومحتاجة فقط لتفجير واستثمار بصورة جيدة، وإن شاء الله تصل لما تريد.
انظر إلى حال من هم أضعف وأقل منك صحة، وعلما، وقدرة، ومهارة، تعلقوا بالحياة فأبدعوا فيها، وحققوا الكثير من الإنجازات في مجالات حياتية مختلفة، فلمعت أسماؤهم، وكبر شأنهم، وصاروا من الأعلام، فما تم ذلك إلا بقوة عزيمتهم وإرادتهم ومثابرتهم. والطرق عديدة، فأيها تختار؛ تصل لأهدافك، سواء عن طريق العسكرية، أم المدنية، فالمهم أن يكون الهدف واضحا والوسائل مناسبة ومتوافقة مع القدرات والإمكانيات، وباب المعرفة والإبداع مفتوح على مصراعيه.
وفقك الله تعالى لما فيه صلاح دينك ودنياك.