السؤال
هل صحيح أن كثرة قراءة سورة الفاتحة يفتح الرزق؟ وهل كثرة قول (حسبي الله ونعم الوكيل) يفتح الرزق؟
هل صحيح أن كثرة قراءة سورة الفاتحة يفتح الرزق؟ وهل كثرة قول (حسبي الله ونعم الوكيل) يفتح الرزق؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وبخصوص ما تفضلت به، فاعلمي أن فضل سورة الفاتحة عظيم، فهي -كما قال ابن القيم-: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم، والخوف، والحزن لمن عرف مقدارها، وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك.
ويكفيها فضلا أنها أعظم سور القرآن؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بن كعب: (أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ قال: نعم، يا رسول الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف تقرأ في الصلاة؟ قال: فقرأ أم القرآن. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها).
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- أن سورة الفاتحة شفاء للقلوب والأبدان معا، فقال -رحمه الله-: فأما اشتمالها على شفاء القلوب؛ فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال، فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه، والتحقيق بـ (إياك نعبد وإياك نستعين) علما ومعرفة وعملا وحالا يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد.
وأما تضمنها لشفاء الأبدان، فنذكر منه ما جاءت به السنة، وما شهدت به قواعد الطب، ودلت عليه التجربة.
فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بحي من العرب... -فذكر حديث الرقية بالفاتحة- ثم قال: ... فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه، فأغنته عن الدواء، وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء، هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلا؟
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن سورة الفاتحة متضمنة لأنفع الدعاء. فقال -رحمه الله-: (تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين).
ثانيا: وأما فضل قول (حسبنا الله ونعم الوكيل) فلا شك أنها كلمة عظيمة النفع بالغة الأثر؛ لما فيه من تفويض الأمر لله، وإظهار التوكل عليه، وهي كلمة قالها بعض أنبياء الله كالخليل حين أوقدوا له النار، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) كما روى ذلك البخاري من حديث ابن عباس.
ثالثا: رغم فضل الفاتحة وقول: حسبنا الله ونعم والوكيل، إلا أننا لا نجد دليلا صحيحا صريحا يفيد بأن لها دورا مباشرا في زيادة الرزق.
رابعا: هناك أسباب ذكرها أهل العلم في أسباب زيادة الرزق منها:
1- الاستغفار: قال تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} قال المفسرون: هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار.
وقد جاء رجل إلى الحسن البصري فشكا إليه الجدب، أي قلة المطر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فشكا الفقر فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولدا؟ فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى، وأجبتهم بجواب واحد، وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئا، إن الله تعالى يقول:
﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.
2- التوكل على الله مع أخذ الأسباب، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا) فربط النبي التوكل الحق بالسعي على الرزق.
3- المتابعة بين الحج والعمرة: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة).
4- صلة الأرحام: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سره أن يبسط الله عليه في رزقه، أو ينسأ في أثره، فليصل رحمه).
5- الصدقة: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله -عز وجل-: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملآى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار)
6- المداومة على الدعاء: الدعاء سهم صائب متى ما انطلق من قلب صادق، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الدعاء ومن قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعوذوا بالله من الفقر، والقلة، والذلة، وأن تظلم، أو تظلم)
7- من أسباب الرزق كذلك: التبكير إلى طلب الرزق، فعن صخر الغامدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها).
وأخيرا: الرضى عن الله -أختنا الكريمة- هو الدواء الناجع والبلسم النافع، نسأل الله أن يبارك لكم، وأن يحفظكم، وأن يقدر لكم الخير، والله المستعان.