هل تمني السوء للآخر كالتسبب فيه؟

0 288

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد أن أسأل أني لو تمنيت أن يتم إيذاء شخص، أو أن تصيبه مصيبة -لا قدر الله- أو أن يصاب بشيء، وبالفعل هذا الشخص أصيب بمكروه؛ هل هذا يعني أني من تسبب في هذا المكروه؟ مع العلم أني أحب هذا الشخص بشكل كبير.

- ما هي حدود المكروه الذي قد يصيبه؟ هل يصيبه -لا سمح الله- موت مثلا؟

- وإن كانت إجابتك: (نعم، قد يصيبه الموت بالفعل) هل يكون بمرض قاتل لا يموت على الفور -لا سمح الله-، أو أنه يكون موتا مباشرا أي أنه عندما تمنيت موته يموت على الفور؟

- هل هذا عين أم حسد؟

أنا لدي وسواس يقول لي: إنه إذا أصيب شخص بأذى أكون أنا السبب!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: نحمد الله إليك هذا التدين والحرص على معرفة الخير، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.

ثانيا: لا يقع شيء في ملك الله إلا بقدر الله -عز وجل-، يقول العلامة الطحاوي: وكل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره. وعليه فما وقع لإخوانك هو أمر قدره الله -عز وجل- عليهم.

ثالثا: ما ذكرته -أخي الفاضل- عن تمني إرادة الإيذاء لأحد، ووقع له ما تمنيت، هل لك ساعتها دخل في الأمر أم لا؟ فاعلم -أخي الحبيب- أن تمني الضر للمسلم هو من جنس الحسد المحرم والبغض المذموم، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سلوك المسلم لهذا السلوك، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ‏ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا -عباد الله- إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا ‏يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على ‏المسلم حرام، دمه، وماله وعرضه). رواه مسلم. قال الإمام النووي: ومعنى (كونوا عباد الله إخوانا) أي: ‏تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون ‏في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال.

رابعا: إننا ننصحك -أخي الحبيب- بمعالجة هذا الداء، والاجتهاد في الدعاء لمن أردت به سوءا، واعلم أن المجاهدة يسيرة، وتستطيع -بإذن الله- أن تصل إلى مثل هذا اللون من الصفاء، المهم اجتهد في معالجة هذا السلوك السيئ الذي يقذفه الشيطان في قلبك، ونسأل الله أن يعفو عنك.

خامسا: يغلب على حديثك الخوف من أن تكون حاسدا، مع أنه لا يظهر ذلك من خلال حديثك، ولكن إذا كان الهاجس عندك فعلاجها في النقاط التالية:
1- كثرة الدعاء إلى الله -عز وجل- والتوكل عليه. والدعاء هو أول الطريق.

2- الإيمان بأن الإمساك عن الشر صدقة؛ مما يساعد على التخلص من الحسد، الإيمان بأن الكف عنه صدقة، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة) متفق عليه. فمجرد إمساكه عن الشر، ومنعه الحسد يكون صدقة على نفسه، وفي حديث آخر: (قال: فإن لم أفعل؟ قال: فدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)، وفي رواية: (تتصدق بها عن نفسك)، وهذا أيضا متفق عليه.

3- من الوسائل كذلك: الاعتقاد الجازم بأن الحسد لا يضر المحسود، لذلك سماها بعض أهل العلم بالمعصية المستهجنة، يقول بعض أهل العلم: أي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وهذا يبين غباء الحاسد وقبح فعله، ثم إن الحاسد لا يغير من قضاء الله -سبحانه وتعالى- شيئا، ولا ينفع، ولا يضر، قال عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} وقال عز وجل: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

4- النظر بعين البصيرة إلى حقيقة الدنيا: من الأمور الهامة التي تعينك على تجاوز هذه المرحلة النظر إلى حقيقة الدنيا التي لا تزن جناح بعوضة، قال -صلى الله عليه وسلم- :(لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) فالدنيا هموم وغموم، وأتراح وأحزان، حلالها فيه حساب، وحرامها فيه عذاب، فأي فضل لمن كانت هذه حالته؟!

5- من المعينات على العلاج: الإيمان والرضا بالقضاء، فقد قال الله عز وجل: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا}، وقال: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، فلله حكمة في كل ما يفعله جل شأنه، ولا يملك العبد إلا الصبر، كما قال بعض العلماء: (ما لي على مر القضا من حيلة غير الرضا، أنا في الهوى عبد وما للعبد أن يعترضا).

6- الدعاء لمن أردت حسده بالبركة، من أهم ما ينبغي أن تراعيه، أن تبرك إذا رأيت خيرا على أحد بأن تقول: (اللهم بارك فيه ولا تضره)، كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات