السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة لا أعلم كيف أبدأ، ولكن تتوالي علي المشاكل مشكلة تلو الأخرى، وأفوض أمري لله سبحانه وتعالى.
مشكلتي تتمثل في ثلاثة أشخاص في حياتي:
لدي أخت تكبرني بخمس سنوات، منذ صغرنا ونحن في مشاكل وحقد، ولا أعلم لم هي هكذا؟! فقد عشت طفولة بائسة منها، فكانت تضربني بشكل مبرح، وعلمتني ألا أثق في نفسي، وعلمتني ألا ألجأ إليها في وقت المشاكل، وخصوصا أنني لا أحب الكلام مع أي أحد غيرها، ولكن بعد الثانوية أصبحت لدي صديقة تغنيني عنها، علمتني أنها هي من تلبسني وتضع لي المكياج، رغم أنني أحب أن أتعلم ذلك بمفردي، وجعلتني لا أتكلم أمام الناس، وكأن هناك خطوطا حمراء للكلام أمام الناس، وإن تكلمت أمامهم كانت عينها تشتعل حرارة، وعلمتني أن لا أحد يجيد الطبخ إلا هي، وأن أمي لا تعتمد إلا عليها.
كرهت نفسي كثيرا من كلامها الجارح لي، ومن تسلط أمي علي، وأمي كانت تستمع لها لأنها تفهم وتعي، وهي من وجهة نظري ماهرة في أمور البيت، ولكنها لا تفقه شيئا في التعامل مع الإخوة، كنت مقتنعة بأنني أقل جمالا من بقية أخواتي، لذلك أرغمت على الموافقة على رجل تقدم لخطبتي من طرف أقربائي لم يعجب أمي وأبي، وتم رفضه من أقربائي، ورغم أنه لم يكن يناسبني، فأنا جامعية وموظفة، وهو بعد أربع سنوات من تخرجه من الثانوية درس وعمل في الوقت ذاته، وأراد أهله أن يزوجوه، وكان أبي يلح علي كثيرا حتى وافقت، ولكن أمي بدأت شرارتها هي وأختي حتى جاء وقت الملكة، ولم يسلم علي أحد منهم أو يباركوا لي، بل انهالوا علي بسيل من الشتائم والسخرية أثناء تجهيزي لنفسي، وقد كذبت على خطيبي بأنني الفتاة المدللة عند أهلي، وأنني أسافر للخارج؛ مما زاد من ضيقي منهم لعدم اهتمامهم بي.
بدأت المشاكل بيننا أنا وخطيبي، وخصوصا أنني لم أقبله كرجل لا يتحمل المسئولية، ولكنه في الحقيقة إنسان طيب وخلوق جدا، لكنه عاش في بيئة لا تقدر العلم والعمل، فأصبح يعاملني كأمه، ويريد مني الحنان وغيره، وهذا بالنسبة لي سهل.
لم أعد أتحمل سخرية أهلي مني لمعاملة خطيبي لي رغم أنه كان يطيعني في كل شيء، فطلبت الطلاق منه، وشعرت بأن العين أصابتنا أيضا، فكان لا يطيق رؤيتي، وكنت أمرض وأتعب إذا جاء لزيارتي، وكان أهلي يلاحظون ذلك دون اهتمام بي، كان دور والدي الأساس في حياتي، فأنا المدللة عنده، فكان سعيدا جدا في الخطوبة، ولكن بعد الطلاق غضب مني ولم يسمح لي بالسلام عليه ولا الكلام معه، ولكنني كنت أسلم عليه وأذهب فورا، وأصبح يكرهني بشدة، وقال لي: أنت كذبت على الرجل، وأنك لا تخافين الله، وطلب مني أن أستغفر الله حتى لا تصيبني العقوبة.
لقد كنت صادقة مع والدي عندما طلبت الملكة، لرغبتي في الحديث مع خطيبي والتعرف عليه، لأنني عندما سألت والدي عنه قال: لا عليك، إنه رجل طيب وخلوق والباقي على الله، لكنني كرهت أهلي كرها شديدا، لأنهم لم يقيموا لي حفل زواج ولم يفرحوا لي، ولم أشعر بأنني عروس، ولم أجد طعما للراحة، ولذلك قررت الانفصال.
زاد والدي من جرحي، وأصبحت أختي تزيد من كره والدي لي، علما بأنني أربي أولادها وأراعيهم وأحبهم، وأصبح إخوتي لا يقدرونني، ولا يسمعون كلامي كأختهم الكبرى، ويسخرون مني، ولا أقول إلا أن الله هو الجبار، الذي يجبر كسري وضعفي وقلة حيلتي، فماذا تنصحوني لكي لا أحتاج لطبيب نفسي؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جودرينا حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجوابا على استشارتك أقول:
* ما تعانينه من أختك هو بسبب أن أمك لم تقم بدورها كأم في تربيتك، فقد أسلمتك لأختك التي تجهل أساليب التربية وما تحتاجه الفتاة في مثل سنك، ولعلها قست عليك بسبب أنها صارت متحملة أعباء البيت كله.
* من أساليب أختك الخاطئة أنها لم تعلمك أن تعتمدي على نفسك في أمورك الخاصة، وضغطت عليك ضغوطات قاسية كمنعك من الكلام بدلا من أن تعلمك كيف تتكلمين، والخطوط الحمراء للكلام، وإصدار العبارات الجارحة في شخصك؛ ما جعلك تحتقرين نفسك وتفقدين ثقتك بنفسك.
* من الأخطاء التي ارتكبتها أختك: أنها زرعت في قلب أمك التعامل القاسي معك، وجعلتها تحرمك الكثير من حنانها.
* من الأخطاء التي ارتكبها أهلك إجبارك على الموافقة على الزواج بذلك الشاب الذي رفض من أقاربكم وهم يعلمون، ومع هذا لم ينظروا في الصفات التي يجب أن تتوفر في الشاب الذي سيكون شريكا لحياتك.
* من الأخطاء التي وقعت أنت فيها أنك خضعت لضغوطات أهلك ووافقت على الزواج من ذلك الشاب، دون التأكد من الصفات والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيه، وأهم ذلك الدين والخلق وبقية الصفات التي ترغبين في توفرها في شريك حياتك، ولذلك حدثت هذه الانتكاسة السريعة في حياتك.
* كوني على يقين أن ما حدث لك أمر مقدر لك من قبل أن تخلقي قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وما عليك إلا أن تحمدي الله على قضائه وقدره. وأذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا، له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له، وليس ذلك إلا للمؤمن).
* أنت مأجورة إن صبرت ورضيت بقضاء الله وقدره، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
* الزواج رزق من الله وسيأتي لك رزقك إن كان مقدرا لك، فلا تيأسي من روح الله.
* تعاملي مع أهلك كما أوجب الله عليك، وأبشري ولا تنتظري منهم أن يعاملوك كما تريدين، واسمعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك الرجل الذي قال له: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، ويسيئون إلي وأحسن إليهم، ويجهلون علي وأحلم عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن كان كما تقول، فكأنما تسفهم المل ولا يزال من الله معك ظهير، ما زلت على ذلك).
* تضرعي إلى الله بالدعاء وأنت ساجدة، وفي أوقات الإجابة وخاصة الثلث الأخير من الليل أن يهدي الله أهلك وأن يجعلهم يحسنون التعامل معك، وأن يفرج همك، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك.
* اجتهدي في خدمة أهلك محتسبة الأجر عند الله تعالى، وأشغلي أوقاتك في المفيد من الأعمال، وأكثري من نوافل الطاعات صلاة وصوما وتلاوة للقرآن، وبري بأبيك وأمك.
* لا تحملي حقدا على أحد من أفراد أسرتك مهما كان قاسيا في التعامل معك، وتأسي بأولئك الذين كان شعارهم: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
* أنصحك ألا تبتعدي عن أمك وأبيك، بل اقتربي منهما وتحدثي إليهما، وأخرجي ما في نفسك كي يفهما معاناتك، واستسمحي منهما واطلبي رضاهما، وتذللي بين يديهما وأصلحي ما تسبب البعض في إفساده من العلاقة معهما، فأبواك أشد الناس حبا لك وحرصا على مصلحتك، وإياك أن تستمعي لوساوس وخواطر الشيطان الرجيم من أنهم يكرهونك، وثقي كل الثقة أن ثمة سوء فهم فحسب.
* لا تعيري تصرفات أخواتك السلبية أي اهتمام، وتعاملي مع الجميع بالحسنى، فإذا صلحت علاقتك مع والديك فستصلح علاقتك مع البقية -بإذن الله-، وإن لم تصلح فيكفي أنك راضية عن نفسك كونك تعاملت مع الجميع فيما يرضي الله.
* في حال تقدم إليك شخص، يجب عليك أن تتحري من توفر الصفات المطلوب توفرها في شريك الحياة، وأهما الدين والخلق (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وهكذا بقية الصفات التي ترغبين فيها.
* قبل الموافقة صلي صلاة الاستخارة، وهي ركعتان من دون الفريضة بحيث يكون قلبك غير ميال لأحد الأمرين (الموافقة أو الرفض)، وبعد الصلاة ادعي بالدعاء المأثور ثم توكلي على الله، فإن وجدت الأمور تسير كما ينبغي فاعلمي أن الله اختار لك الزواج به، وإن وجدت الأمور غير ميسرة والأبواب مغلقة، فاعلمي أن الله لم يختر لك الزواج به، وأنه صرفه عنك وصرفك عنه.
أسأل الله أن يكتب أجرك وييسر أمرك، إنه سميع مجيب.