السؤال
أنا أعمل في إطار دعوي، والحمد لله فلي تأثير كبير، ولكن المشكلة أنني أواجه الكثير من الفتيات اللواتي يتعلقن بي لدرجة كبيرة، هل يا ترى الخلل في ذاتي أنا وتعاملي، أم أن لديهن فراغا عاطفيا؟ مع العلم أن هذه الظاهرة منتشرة عند الملتزمين كثيرا (إعجاب الفتاة بالفتاة)، وكيف أتعامل مع من يعاني من نقص العاطفة لديه؟
أرجو توجيهي وإرسال الجواب على البريد الإلكتروني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله أن يسددك ويوفقك، وأن يكثر من أمتنا في أمثالك، وأن ينفع بك بلاده والعباد، ونسأله تبارك وتعالى الهدى والتقى والعفاف والغنى.
فهنيئا لكل من تعمل في أشرف مهمة وأعظم رسالة، قال تعالى: (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ))[فصلت:33]^ وابشري فإن الدعوة إلى الله تطيل الأعمار؛ لأن الإنسان يموت وينقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .
والإنسان إذا قدم الدعوة للناس فإن له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، فيكتب للدعاة وهم في قبورهم مثل صلاة وصيام وطاعة من قدموا لهم هذه الهداية.
وإذا لم يتعلق الناس بالدعاة إلى الله، فبمن يتعلقون وبأي الناس يتشبهون؟ وإذا قبل الله من عبده أو أمته ألقى له القبول في الأرض، قال تعالى: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ))[مريم:96]^ ونحن مطالبون بأن ننظر إلى أسباب ذلك الحب والإعجاب، فإن كان لأجل الصلاح والتقوى والخوف من الله، فهذا هو المطلوب، وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ولابد أن ننبه الدعاة إلى الله والداعيات إلى الرغبة فيما أعده الله من جنة ورضوان، وعدم الركون إلى محبة الناس لهم؛ لأن الدعاة إلى الله يبتلون بمحبة الناس واحترامهم، فإن رضوا بذلك ورغبوا فيه، وغضبوا إذا قصر الناس في احترامهم، فهذا –والعياذ بالله– يدل على خلل في أخلاقهم، وخدش في تقواهم، وسوف يكون هذا هو حظهم، ولذلك كره السلف تعظيم الناس، وهربوا من الشهرة؛ لأنهم يرغبون في الذي هو أغلى وأعلى، فكان ابن مسعود رضي الله عنه ينهى طلابه عن أن يسيروا خلفه إذا لم تكن لهم حاجة، وكان يقول: (هذه فتنة للمتبوع وذل للتابع) وكان ابن المبارك إذا عرف في مكان واشتهر فيه وأفسح الناس في الطريق هرب منهم، وقيل لبعض الباعة في الأسواق: هذا فلان العابد فأكرمه، فغضب وترك الشراء، وقال أيها الناس: إننا نشتري بدراهمنا لابديننا، ومع هذا نلاحظ أن الله رفع شأنهم، وأعلى ذكرهم مع كراهيتهم لذلك، وعدم سعيهم لطلب عرض الدنيا وشهرتها.
وأما إذا كان الإعجاب والحب للدعاة أو للأصدقاء أو للمعلمين والمعلمات لأجل جمال أشكالهم، أو نداوة أصواتهم، أو جمال هندامهم، فهذا انحراف لابد من علاجه، وهو الذي ينتشر في هذا الزمان الذي تزينت فيه الدنيا ولهث الناس خلفها، وواجب الدعاة في هذه الحالة هو توجيه هذه العواطف إلى حب الله ورسوله والحرص على طاعته، قبل أن يحدث الانحراف ويصل الأمر إلى العشق الموصل إلى الإشراك بالله.
وهذه الظاهرة منتشرة بصورة واسعة بين النساء، ومن هنا كان لا بد للأخوات العلاملات في حقل الدعوة والتربية والتعليم الانتباه لهذه الظاهرة الخطيرة، التي تسببت في فساد الدنيا والآخرة لبنات حرمن جرعة العاطفة، وخلت قلوبهن من الإيمان والحب للرحمن، ولعل من أسباب انتشار هذا المرض ما يلي:
1- الاهتمام الزائد بالمظهر والزينة من قبل بعض المعلمات والموجهات.
2- متابعة الموضات، والتفنن في إبراز محاسن الجسد.
3- وسائل الإعلام التي تبالغ في التركيز على إخفاء العيوب، بل واختيار الذين منحهم الله بعض الوسامة، وعرض أجسادهم بصورة براقة خداعة، والتنازل عن الاهتمام بالجوهر.
4- الجفاف العاطفي في البيوت، وخاصة من قبل الآباء والأمهات.
5- ضعف الوازع الديني، وهذا هو أهم الأسباب، بل هو سبب كل انحراف وضياع.
6- كثرة المشاكل العائلية، مما يجعل الأبناء يندفعون إلى الخارج بحثا عن الهدوء النفسي والاستقرار العاطفي.
7- وجود الفراغ مع كثرة المال.
8- الرغبة في تحقيق نجاح سهل عن طريق الهرولة خلف المبدعين والموهوبين.
والصواب أن تجتهدي أولا في معرفة أسباب هذا التعلق، ثم احرصي على أن يكون لله وفي الله وعلى مراد الله، وأرجو أن يكون ذلك بحكمة وروية، وعن طريق ترسيخ هذه العقيدة في النفوس، لتكون منطلقا لتصرفات وعواطف المسلمات، مع حرصك على الشفقة على من فقدن جرعة العاطفة، وأرجو أن يجدن عندك ما يعوضهن عن ذلك الجفاف العاطفي، فالداعية أم وأخت.
ولا شك أن عدم وجود الإشباع العاطفي سبب كثير من البلايا والمحن، فقد وجد في شبابنا وفتياتنا من بحث عن هذا الإشباع بالوسائل المحرمة، وسقط في هذا الطريق كثير من الضحايا، الذين خدعتهم العبارات الجميلة والكلمات الناعمة، ولم يفيقوا إلا على أجراس الفضيحة والعار.
وهذه الظاهرة منتشرة عند الملتزمين وعند غيرهم، فمن واجبنا توجيه هذه المشاعر إلى الطريق الصحيح الذي يرضي الله، وليس الخوف من انتشارها بين العوام الذين لا يعرفون خطورتها.
وأرجو أن تعرفي أن الخيط رفيع بين أخوة الإيمان وبين هذه الظاهر الخطيرة، وما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انفصل وانقطع، وكل أخوه ومحبة وصداقة لا تؤسس على تقوى الله والإيمان به تنقلب بين يدي الله إلى عداوة، قال تعالى: ((الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين))[الزخرف:67]^.
وقد تسبب هذا الانحراف العاطفي في شرور كثيرة، منها:
1- انشغال بعض الفتيات بالمعلمة أو الزميلة حتى في صلاتها وسجودها.
2- تدني مستوى الكثيرات لانشغالهن بالمظهر والكلمات والحركات.
4- زهد بعض الفتيات في الزواج، والاكتفاء بتلك العلاقات المشبوهة، التي قد تصل إلى ممارسة السحاق والعياذ بالله.
5- التأثير السلبي على صحة الفتاة، وعلاقتها بأهلها وبزوجها إذا تزوجت.
ومن واجب الدعاة رفع الهمم، وربط الناس بمعالي الأمور، وغرس معاني العقيدة في النفوس، والتربية على حب الله ورسوله، وربط مشاعرنا وأحاسيسنا بشريعة الله، فلا نحب إلا أهل الإيمان لطاعتهم لله، وبشرى للمتحابين في الله والمتزاورين في الله.
وإذا فكر الإنسان في نفسه وإخوانه علم أن أوله كان نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة، وهو فيما بينهما يحمل العذرة، وإذا أعجب الإنسان بجمال الصور فليتذكر الأوساخ والقاذورات التي يحتوي عليها هذا الجسد، وليتذكر أن عمر النضارة والجمال محدود، وسوف يكون هذا الجسد طعام للدود، وهذا مما ذكره بعض السلف كدواء للعشق والإعجاب، ونسأل الله أن يملأ قلوب المسلمين محبة، ويحب من يحبه ويحب العمل الذي يقربنا إلى حبه.
وبالله التوفيق.