السؤال
بعد أدائي للعمرة حدثت لي بعض المتغيرات في حياتي, فكان ظني أنني طالما ذهبت لأعتمر ودعوت الله بصدق؛ استجاب الله دعائي, وحلت جميع مشاكلي، ولكن –للأسف- حدث عكس ما كنت أتمناه, فمثلا من الدعوات كنت أدعو بإصلاح الزوجة، ولم أشعر بتغير!
وعندي ابني يقوم بحفظ القرآن الكريم، ودعوت له بأن يكون من أهل القرآن وخاصته، ولكن الآن قل مستواه وتركيزه في الحفظ لدرجة كبيرة وملحوظة, وأشياء من هذا القبيل، فهل هذا دليل على أن عمرتي غير مقبولة أم ما تفسير ذلك؟
أفيدوني، بالله عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجعلك من صالحي المؤمنين، وأن يتقبل دعاءك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل عبد الله- فإني أحب أن أبين لك أمرا في بداية كلامي:
أولا: الله تبارك وتعالى ألزم نفسه بإجابة الدعاء، بل تصور أن الكافر غير المسلم يستجيب الله لدعائه، وأكبر دليل على ذلك أن الله استجاب لدعاء إبليس -لعنه الله- عندما قال: {رب فأنظري إلى يوم يبعثون} فأجابه الله تعالى قائلا: {إنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم}.
فقل لي بربك إذا استجاب الله لإبليس -وهو عدوه- ألا يستجيب لأخي عبد الله الذي جاء من العمرة، ودعا الله في العمرة؟! إذا هذه مسألة ينبغي أن تخرجها من رأسك تماما؛ لأن الله تبارك وتعالى أمرك بالدعاء، ووعدك بالإجابة، كما قال سبحانه: {وعد الله لا يخلف الله وعده} وقال أيضا: {وعد الله لا يخلف الله الميعاد} وقال: {فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
ولكن الله قد يبتلي عبده ابتلاءات لحكمة يعلمها جل جلاله سبحانه، ولعلك تعلم أيضا أن أكثر الناس بلاء هم الصالحون من عباد الله تعالى، وهذا ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوي إيمانه اشتد بلاؤه، ومن ضعف إيمانه قل بلاؤه) فأنت رجل تعرضت لابتلاء وامتحان واختبار، أنت دعوت الله تبارك وتعالى وجاءت المسائل -فيما يبدو لك- عكسيا، ولكن من أدراك أن الله لم يستجب لك؟! قد تكون المسائل أصلا أكبر من ذلك فخففها الله تبارك وتعالى عنك، وقد يكون هناك بلاء عظيم كان من الممكن أن يقع لك، ولكن الله تعالى لطف بك وجعل بلاءك في هذه الأمور.
النبي -صلى الله عليه وسلم - بين أنه ما من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا أتاه الله بواحدة من ثلاث: إما أن يستجيب دعوته، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، أو يجلب له من الخير مثلها، فأنت قطعا في جميع الأحوال سوف يكافئك الله تبارك وتعالى ويستجيب لدعائك، ولكن كيف؟ ومتى؟ وأين؟ هذه كلها في علم الله تبارك وتعالى، ولذلك علينا ألا نتوقف عن الدعاء، وعلينا ألا نسيء الظن بالله تعالى، أي دعوة تدعوها ما دمت -بفضل الله تعالى- لا تدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ولا تستعجل، ولست ظالما ولا معتديا في الدعاء، ولا تطعم من حرام، فاعلم أن الله سيستجيب لدعائك، ولكن لا يلزم أن تكون الإجابة ما أردت أنت، فقد يكون أمرا آخر أنت لا تعلم أنك في حاجة إليه، ولكن كن على يقين بلا أدنى شك أو تردد أن الله قد استجاب لك، ولكن كيف استجاب الله لك؟ هذه مسألة متروكة لعلم الله، لأن الله يقول: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
أحيانا ولدك يحتاج أموالا مثلا ليصرفها في المدرسة وأنت لا تعطيه ما يريد، هل أنت تكرهه؟ أنت تحافظ عليه لحبك له، لا تريد أن تفسده؛ لأنه إذا كثر المال في يده قد يفسد، وقد يدخن، وقد يقع في بعض المحرمات، إذا أنت لم تكرهه، ولكنك منعته ما أراد رحمة به.
فإذا ثق وتأكد أن الله تبارك وتعالى قد وعدك، ويستجيب الله لك، ولكن متى؟ وكيف؟ هذه مسألة متروكة لعلم الله وقدرة الله وإرادة الله.
ثانيا: سيدنا موسى -عليه السلام- دعا الله تبارك وتعالى مع سيدنا هارون على فرعون، استجاب الله لدعائهما بعد خمسة وأربعين سنة، فقد يستجيب الله لدعائك بعد فترة من الزمن، لا يلزم أن يكون في نفس اليوم.
سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما قال: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} استجاب الله دعاءه في النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة. كذلك سيدنا نوح، وغير ذلك.
فإذا -بارك الله فيك- لا يلزم أن تكون الإجابة فورية، نعم قد تكون فورية لحكمة يعلمها الله تعالى، وقد تتأخر قليلا لحكمة يعلمها الله تعالى، وقد لا تستجاب، وإنما تعطى شيئا غيرها أفضل منها لحكمة يعلمها الله، فاترك الأمر لله، وفوض الأمر لله تعالى، وأحسن الظن بالله، وأبشر بفرج من الله قريب.
هذا، وبالله التوفيق.