هل يكون الشفاء من الأمراض بقراءة سورة الفاتحة؟

0 790

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل يمكن أن تكون الرقية الشرعية مفيدة وذات مفعول في قراءة الفاتحة فقط؟ وهل هي شفاء من الأمراض الروحية والعضوية والنفسية المستعصية، مثل: تعطل الرزق، والعين، والحسد، والمس، والخوف، وغيرها الكثير؟ وما هي أفضل طريقة للرقية عن طريق الاستماع أم النفث في كوب الماء؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الفاتحة متضمنة لشفاء جميع الأمراض، قال ابن القيم في مدارج السالكين في بيان اشتمال الفاتحة على الشفاءين شفاء القلوب وشفاء الأبدان:

(كثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: {إياك نعبد}، تدفع الرياء {وإياك نستعين}، تدفع الكبرياء، فإذا عوفي من مرض الرياء ب {إياك نعبد} ومن مرض الكبرياء والعجب ب {إياك نستعين}، ومن مرض الضلال والجهل ب {اهدنا الصراط المستقيم} عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد، الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه، والضالين وهم أهل فساد العلم، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه، وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين، أن يستشفى بها من كل مرض، ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء الذي هو أعظم الشفاءين، كان حصول الشفاء الأدنى بها أولى، كما سنبينه، فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله وكلامه، وفهمت عنه فهما خاصا، اختصها به من معنى هذه السورة).

ثم قال: ﻭﺃﻣﺎ ﺗﻀﻤﻨﻬﺎ ﻟﺸﻔﺎء اﻷﺑﺪاﻥ ﻓﻨﺬﻛﺮ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺟﺎءﺕ ﺑﻪ اﻟﺴﻨﺔ، ﻭﻣﺎ ﺷﻬﺪﺕ ﺑﻪ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻄﺐ، ﻭﺩﻟﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.

ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﺩﻟﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻨﺔ: ﻓﻔﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ اﻟﻨﺎﺟﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ: ﺃﻥ ﻧﺎﺳﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﻣﺮﻭا ﺑﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ، ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺮﻭﻫﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻀﻴﻔﻮﻫﻢ، ﻓﻠﺪﻍ ﺳﻴﺪ اﻟﺤﻲ، ﻓﺄﺗﻮﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻫﻞ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﺭﻗﻴﺔ، ﺃﻭ ﻫﻞ ﻓﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﺭاﻕ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻧﻌﻢ، ﻭﻟﻜﻨﻜﻢ ﻟﻢ ﺗﻘﺮﻭﻧﺎ، ﻓﻼ ﻧﻔﻌﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﻟﻨﺎ ﺟﻌﻼ، ﻓﺠﻌﻠﻮا ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻗﻄﻴﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ، ﻓﺠﻌﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﻘﺮﺃ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻔﺎﺗﺤﺔ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻓﻘﺎﻡ ﻛﺄﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻪ ﻗﻠﺒﺔ، ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﻻ ﺗﻌﺠﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﻧﺄﺗﻲ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-، ﻓﺄﺗﻴﻨﺎﻩ، ﻓﺬﻛﺮﻧﺎ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻳﺪﺭﻳﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺭﻗﻴﺔ؟ ﻛﻠﻮا، ﻭاﺿﺮﺑﻮا ﻟﻲ ﻣﻌﻜﻢ ﺑﺴﻬﻢ، ﻓﻘﺪ ﺗﻀﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺼﻮﻝ ﺷﻔﺎء ﻫﺬا اﻟﻠﺪﻳﻎ ﺑﻘﺮاءﺓ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺄﻏﻨﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺪﻭاء، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ ﺷﻔﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ اﻟﺪﻭاء، ﻫﺬا ﻣﻊ ﻛﻮﻥ اﻟﻤﺤﻞ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ، ﺇﻣﺎ ﻟﻜﻮﻥ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺃﻭ ﺃﻫﻞ ﺑﺨﻞ ﻭﻟﺆﻡ، ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺤﻞ ﻗﺎﺑﻼ.

ﻓﺼﻞ: ﻭﺃﻣﺎ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻄﺐ ﺑﺬﻟﻚ ﻓأﻋﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﺪﻏﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻭاﺕ اﻟﺤﻤﺎﺕ ﻭاﻟﺴﻤﻮﻡ، ﻭﻫﻲ ﺫﻭاﺕ اﻷﻧﻔﺲ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻴﻒ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﻏﻀﺒﻴﺔ، ﺗﺜﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻤﻴﺔ ﻧﺎﺭﻳﺔ، ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺪﻍ، ﻭﻫﻲ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻔﺎﻭﺕ ﺧﺒﺚ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﻗﻮﺗﻬﺎ ﻭﻛﻴﻔﻴﺘﻬﺎ، ﻓﺈﺫا ﺗﻜﻴﻔﺖ ﺃﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﺃﺣﺪﺙ ﻟﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺳﻤﻴﺔ، ﺗﺠﺪ ﺭاﺣﺔ ﻭﻟﺬﺓ ﻓﻲ ﺇﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺤﻞ اﻟﻘﺎﺑﻞ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺪ اﻟﺸﺮﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﺭاﺣﺔ ﻭﻟﺬﺓ ﻓﻲ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺷﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻮﺻﻠﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳﻬﻨﺄ ﻟﻪ ﻋﻴﺶ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻻ ﻳﺆﺫﻱ ﻓﻴﻪ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﻨﺴﻪ، ﻭﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺄﺫﻳﺎ ﺑﺤﻤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻤﻴﺔ ﻭاﻟﺸﺮ اﻟﺬﻱ ﻓﻴﻪ، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮﻏﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻴﺒﺮﺩ ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻴﻨﻪ، ﻭﺗﺴﻜﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺼﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻧﻈﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﻣﻦ اﺷﺘﺪﺕ ﺷﻬﻮﺗﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻤﺎﻉ، ﻓﻴﺴﻮء ﺧﻠﻘﻪ، ﻭﺗﺜﻘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻲ ﻭﻃﺮﻩ، ﻫﺬا ﻓﻲ ﻗﻮﺓ اﻟﺸﻬﻮﺓ، ﻭﺫاﻙ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ اﻟﻐﻀﺐ.

ﻭﻗﺪ ﺃﻗﺎﻡ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭاﺯﻋﺎ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ اﻟﻐﻀﺒﻴﺔ، ﻓﻠﻮﻻ ﻫﻮ ﻟﻔﺴﺪﺕ اﻷﺭﺽ ﻭﺧﺮﺑﺖ، قال تعالى: {ﻭﻟﻮﻻ ﺩﻓﻊ اﻟﻠﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻟﻔﺴﺪﺕ اﻷﺭﺽ ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﺫﻭ ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ}، ﻭﺃﺑﺎﺡ اﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ ﻣﻦ اﻷﺯﻭاﺝ ﻭﻣﻠﻚ اﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﺴﺮ ﺣﺪﺗﻬﺎ، ﻭاﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ اﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﺇﺫا اﺗﺼﻠﺖ ﺑﺎﻟﻤﺤﻞ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﺃﺛﺮﺕ ﻓﻴﻪ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻞ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﻟﻪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻤﺴﻪ، ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻄﻤﺲ اﻟﺒﺼﺮ، ﻭﻳﺴﻘﻂ اﻟﺤﺒﻞ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬا ﻧﻈﺮ اﻟﻌﺎﺋﻦ، ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﺑﺼﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻴﻦ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺳﻤﻴﺔ ﺃﺛﺮﺕ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﻴﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﻋﺪﻡ اﺳﺘﻌﺪاﺩﻩ، ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺃﻋﺰﻝ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺡ، ﻭﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﺓ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﻴﻦ ﺇﺫا ﻭﺻﻒ ﻟﻪ، ﻓﺘﺘﻜﻴﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺗﻘﺎﺑﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ﻓﻴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻪ، ﻭﻣﻨﻜﺮ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻣﻌﺪﻭﺩا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭاﻟﺸﻜﻞ، ﻓﺈﺫا ﻗﺎﺑﻠﺖ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻀﺐ ﻭﺣﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﻖ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ اﻟﺴﻤﻴﺔ، ﻭﺗﻜﻴﻔﺖ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻭﺃﺳﺮاﺭﻫﺎ ﻭﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ، ﻭﻣﺎ ﺗﻀﻤﻨﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭاﻟﺘﻮﻛﻞ، ﻭاﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ، ﻭﺫﻛﺮ ﺃﺻﻮﻝ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺫﻛﺮ اﺳﻤﻪ اﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﺫﻛﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺮ ﺇﻻ ﺃﺯاﻟﻪ ﻭﻣﺤﻘﻪ، ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﺇﻻ ﻧﻤﺎﻩ ﻭﺯاﺩﻩ، ﺩﻓﻌﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻤﺎ ﺗﻜﻴﻔﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﺛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺤﺼﻞ اﻟﺒﺮء، ﻓﺈﻥ ﻣﺒﻨﻰ اﻟﺸﻔﺎء ﻭاﻟﺒﺮء ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻊ اﻟﻀﺪ ﺑﻀﺪﻩ، ﻭﺣﻔﻆ اﻟﺸﻲء ﺑﻤﺜﻠﻪ، ﻓﺎﻟﺼﺤﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ، ﻭاﻟﻤﺮﺽ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻀﺪ، ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺭﺑﻄﻬﺎ ﺑﻤﺴﺒﺒﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻌﻠﻴﻢ ﺧﻠﻘﺎ ﻭﺃﻣﺮا، ﻭﻻ ﻳﺘﻢ ﻫﺬا ﺇﻻ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ، ﻭﻗﺒﻮﻝ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻨﻔﻌﻠﺔ، ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﺗﻨﻔﻌﻞ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻠﺪﻭﻍ ﻟﻘﺒﻮﻝ اﻟﺮﻗﻴﺔ، ﻭﻟﻢ ﺗﻘﻮ ﻧﻔﺲ اﻟﺮاﻗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ، ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ اﻟﺒﺮء.

ﻓﻬﻨﺎ ﺃﻣﻮﺭ ﺛﻼﺛﺔ: ﻣﻮاﻓﻘﺔ اﻟﺪﻭاء ﻟﻠﺪاء، ﻭﺑﺬﻝ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻟﻪ، ﻭﻗﺒﻮﻝ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻠﻴﻞ، ﻓﻤﺘﻰ ﺗﺨﻠﻒ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ اﻟﺸﻔﺎء، ﻭﺇﺫا اﺟﺘﻤﻌﺖ ﺣﺼﻞ اﻟﺸﻔﺎء ﻭﻻ ﺑﺪ ﺑﺈﺫﻥ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻭﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﻫﺬا ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﺳﺮاﺭ اﻟﺮﻗﻰ، ﻭﻣﻴﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﻓﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺭﻗﻰ اﻟﺪاء ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻰ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ اﻟﺮﻗﻴﺔ ﺑﺮاﻗﻴﻬﺎ ﻭﻗﺒﻮﻝ اﻟﻤﺤﻞ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ اﻟﺴﻴﻒ ﺑﻀﺎﺭﺑﻪ ﻣﻊ ﻗﺒﻮﻝ اﻟﻤﺤﻞ ﻟﻠﻘﻄﻊ، ﻭﻫﺬﻩ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻣﻄﻠﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻭﺭاءﻫﺎ ﻟﻤﻦ ﺩﻕ ﻧﻈﺮﻩ، ﻭﺣﺴﻦ ﺗﺄﻣﻠﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ.

ﻭﺃﻣﺎ ﺷﻬﺎﺩﺓ اﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺬﻛﺮ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ، ﻭﻗﺪ ﺟﺮﺑﺖ ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺮﻱ ﺃﻣﻮﺭا ﻋﺠﻴﺒﺔ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺪﺓ اﻟﻤﻘﺎﻡ ﺑﻤﻜﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﻟﻲ ﺁﻻﻡ ﻣﺰﻋﺠﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻣﻨﻲ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎء اﻟﻄﻮاﻑ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺄﺑﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﻗﺮاءﺓ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ، ﻭﺃﻣﺴﺢ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻞ اﻷﻟﻢ ﻓﻜﺄﻧﻪ ﺣﺼﺎﺓ ﺗﺴﻘﻂ، ﺟﺮﺑﺖ ﺫﻟﻚ ﻣﺮاﺭا ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻛﻨﺖ ﺁﺧﺬ ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ ﻣﺎء ﺯﻣﺰﻡ ﻓﺄﻗﺮﺃ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻣﺮاﺭا، ﻓﺄﺷﺮﺑﻪ ﻓﺄﺟﺪ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻊ ﻭاﻟﻘﻮﺓ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺃﻋﻬﺪ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻭاء، ﻭاﻷﻣﺮ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﺓ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺻﺤﺔ اﻟﻴﻘﻴﻦ، ﻭاﻟﻠﻪ اﻟﻤﺴﺘﻌﺎﻥ، -اهـ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 78 -180)-.

فإن قرأت الفاتحة ورقيت بها على نفسك أو قرأتها على ماء وشربته انتفعت بذلك جدا، وإن أضفت إليها ما سواها من آيات الرقية خاصة آية الكرسي والمعوذات زاد النفع وكل كلام الله شفاء.

قال ابن القيم: (ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ اﻟﺸﻔﺎء اﻟﺘﺎﻡ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺩﻭاء اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﻭاﻟﺒﺪﻧﻴﺔ، ﻭﺃﺩﻭاء اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻣﺎ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻳﺆﻫﻞ ﻭﻻ ﻳﻮﻓﻖ اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء ﺑﻪ، ﻭﺇﺫا ﺃﺣﺴﻦ اﻟﻌﻠﻴﻞ اﻟﺘﺪاﻭﻱ ﺑﻪ، ﻭﻭﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺩاﺋﻪ ﺑﺼﺪﻕ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻗﺒﻮﻝ ﺗﺎﻡ، ﻭاﻋﺘﻘﺎﺩ ﺟﺎﺯﻡ، ﻭاﺳﺘﻴﻔﺎء ﺷﺮﻭﻃﻪ، ﻟﻢ ﻳﻘﺎﻭﻣﻪ اﻟﺪاء ﺃﺑﺪا).

ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻘﺎﻭﻡ اﻷﺩﻭاء ﻛﻼﻡ ﺭﺏ اﻷﺭﺽ ﻭاﻟﺴﻤﺎء اﻟﺬﻱ ﻟﻮ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﺎﻝ ﻟﺼﺪﻋﻬﺎ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺽ ﻟﻘﻄﻌﻬﺎ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺽ ﻣﻦ ﺃﻣﺮاﺽ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭاﻷﺑﺪاﻥ ﺇﻻ ﻭﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻭاﺋﻪ ﻭﺳﺒﺒﻪ، ﻭاﻟﺤﻤﻴﺔ ﻣﻨﻪ ﻟﻤﻦ ﺭﺯﻗﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ، -زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 352)-.

كتب الله لك العافية ولجميع عباده المؤمنين.

مواد ذات صلة

الاستشارات