السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي أخ مريض جدا، ونتيجة للاستشارات الطبية وجب علينا الاهتمام به جيدا، وتلبية طلباته لتحسين نفسيته، يطلب منا دائما الأكل، ورغم أن الأكل موجود إلا أن أمي لا تسمح لي بتحضيره، وتسب أخي وتشتمه، ولا تقدم له إلا القليل.
أعرف أن دعاء الأم مستجاب وأخاف أن يستجاب دعائها على أخي، ولا يشفى من مرضه الصعب، وأحيانا لا أتحمل عندما تصرخ علي، وتقول أنها لا يمكن أن تعتمد علي فقط؛ لأني أقدم لأخي ما طلب، وأحيانا أرد عليها بصوت عال، وأقول بأنه مريض، وعليك الاهتمام به فهو ابنك.
أنا أعرف جيدا أنه لا يجوز لي الصراخ في وجه أمي، لكني لا أعرف كيف أتعامل في مثل هذه المواقف؟
أفيدوني أرجوكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.
أما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: جزاك الله خيرا -أيتها الفاضلة- على حسن رعايتك لأخيك المريض، وجزاك الله خيرا على حرصك على البر بأمك، وهذا يدل على خير أنت فيه نسأل الله أن تكوني ذلك وزيادة.
ثانيا: من الأمور الفطرية التي لا يختلف عليها اثنان -أختنا الكريمة- أن عاطفة الوالدة تجاه ولدها لا تتغير، فالأم بفطرتها تحب ولدها وتحنو عليها، لا يمكن أختنا أن تخالف امرأة في الكون هذه الفطرة، فالوالدان أختنا فطرهما الله على ذلك.
ثالثا: لا يعني ما سبق أننا نصوب فعل الوالدة، أو نخطئها، بل إننا هنا نفرق بين الفطرة التي لا تكذب وبين الخطأ غير المقصود الذي نقع فيه بحكم البشرية، فقطعا والدتك تحب ولدها وتحنو عليه، وتتألم لألمه وتفرح لفرحه، لكن هل هناك علة فيما قامت به؟ هل تخشى عليه من كثرة الطعام مثلا؟ لا بد أن لها علة تدفعها إلى ذلك، وعليك أن تقتربي أكثر من والدتك لتفهمي تلك العلة، وقد ينكشف لك عند المقاربة ما كان غائبا عنك، وستدركين ساعتها كم هو عظيم أن تعيشي ولك على قيد الحياة أب يرعاك، وأم تحنو عليك؟
وإذا أردت درسا عمليا يظهر لك أن تخطئة الوالدين في الغالب الأعم تكون غير دقيقة، اقرئي معنا هذا الحديث بقلبك -أختنا الفاضلة-: عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل: (اذهب فأتني بأبيك)، فنزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله - عز وجل - يقرئك السلام ويقول لك: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ قال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إيه! دعنا من هذا، أخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا! لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي فقال:- صلى الله عليه وسلم-: (قل وأنا أسمع)، قال: قلت:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
هذا هو الحال مع الوالد والوالدة أختنا على السواء.
رابعا: صراخك على الوالدة أمر لا يجوز شرعا مهما كانت الدوافع نبيلة -أختنا الكريمة-، ونرجو منك أن تستسمحي والدتك وأن تقتربي منها، وأن تظهري لها برك، ولا تخافي على أخيك من أمك أختنا فهو ولدها قبل أن يكون أخاك.
خامسا: مسألة دعاء والدتك، وخوفك من ذلك أمر مشروع؛ لأن دعوة الأم على ولدها مستجابة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده)، ولكن من فضل الله ورحمته أن الدعاء ساعة الغضب الذي ينطلق من أفواه كثير من الأمهات بغير قصد لا يستجيبه الله عز وجل قال تعالى: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك".
وأخيرا: استوصي بأمك وأخيك خيرا -أختنا الكريمة-، واجتهدي في بر أمك، واعلمي أن الخير كله في بر الوالدين، نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك في الدنيا والأخرة، والله الموفق.