السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم أعرف لمن ألجأ لكي أطرح مشاكلي، فلا أعتقد أن الأهل أو الأصدقاء بإمكانهم التفهم والنصح، لذا ارتأيت أن أسأل علماء الدين وكل ثقتي بكم.
مشكلتي أني لا أعرف كيف أكون مؤمنة، فأنا أدرك وجود الله والرسول وضرورة تطبيق التعاليم الدينية، وديانة أهلي الإسلام، وأنا فتاة محجبة، لكني في الحقيقة لا أدري كيف أكون مؤمنة، ولست ملتزمة بالصلاة، مع أني حاولت كثيرا الالتزام بها.
عندما كنت في الثانوية كنت ملتزمة جدا، وقد ارتديت الحجاب في ذلك الوقت، وبعد أن بدأت أدرس في الجامعة (كلية الطب البشري) لم أعد أصلي وفقدت إيماني وكل جوهري الديني، حتى أني لم أعد أهتم بدراستي وتدهورت حالتي بعد أن كنت من المميزين علميا، أخشى أني على طريق الفشل، ولا أدرك كيف أعود إلى درب الله؛ لأني فقدت الأمل تقريبا، وحاليا أنا في السنة الثالثة من دراستي، وإذا لم أستدرك نفسي وأصلحها فلا مجال للنجاح دينيا، أو دنيويا.
كلما قررت أن أجد في دراستي يأتيني شعور الندم على ما فات وإحساس بالعجز والضعف، وأني لن أستدرك ما فاتني، فأحزن ولا أكمل دراستي، وكذا صلاتي، دلوني أين الهدى؟ كيف الثبات فأنا حتما ضائعة ويائسة.
شيء ما بداخلي قد مات ولم تعد لدي الهمة للقيام بالصعاب فلا دراسة ولا عبادة، أيام تمضي دون هدف، أرجوكم ساعدوني، ولا تبخلوا علي بردكم العاجل، جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روعة جمال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: حديثك الآن هو أول الطريق أختنا، فما دفعك إلا تلك الرسالة إلا الندم الذي سيطر عليك، وحنين إلى طاعة غابت عنك، وهذا يبشر بالخير.
ثانيا: أول الطريق الذي ينبغي أن نسلكه: الإيمان بسعة رحمة الله تعالى، وأن الله يقبل العبد إذا رجع تائبا إلى ربه منيبا إليه نادما على ما ضيع من واجبات، بل أخبر النبي -أختنا الفاضلة- أن الله يفرح لعودة عبده إليه، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)، وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) هذا وغيره –أختنا- يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأملي في الله خيرا، واعلمي أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}، والتعبير بقوله جل شانه {لا تقنطوا من رحمة الله} يدل على عظم سعة رحمة الله، وهذا يدفعك إلى عدم اليأس من رحمة الله جل وعز، فبادري بالتوبة إلى الله، وأقبلي على ربك، ولا تيأسي من رحمة الله.
ثالثا: قد علمت –أختنا- أن البعد عن الله هو سبب ما تعانيه وأن البداية الصحيحة هي في سرعة التقرب إلى الله عز وجل، وأول ما يجب التقرب به إلى مولاك ما فرضه الله عليك، فقد قال الله عز وجل:{ وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).
رابعا: حتى تعود صلاتك إلى ما كانت عليه نوصيك بأن تبدئي الصلاة بشحن النفس جيدا، مستحضرة الآيات والأحاديث التي تقوي عزمك وتعينك على الأداء بخشوع، ومن تلك الآيات:
- {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
- {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة على الخاشعين}.
- {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}.
- {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}.
- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، اكتبي هذه الأحاديث ومن قبلها الآيات في ورقة أو علقيها على الحائط أمامك، وداومي النظر إليها.
2- استحضري -أختنا- واقرئي في نعيم أهل الجنة، وما أعده الله لهم، وفي المقابل ما أعده الله للعصاة.
3- احرصي على أن تقرئي في سير أهل العلم والصلاح، وكيف عبادتهم لله، خذي كتاب علو الهمة وكتاب: الإيمان أولا فكيف نبدأ به، وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وكتاب رهبان الليل لحسين عفاني، هذه الكتب ستفتح لك آفاقا رحبة، وتحبب إليك الصلاة والعبادة بصفة عامة.
4- اعلمي -أختنا- أن العقوبة لا تكون إلا بذنب، فأكثري من الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلب وقتا مخصصا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال.
خامسا: افرضي على نفسك عقوبة إيجابية لكل فرض تكاسلت عنه، المهم أن تكون عقوبة رادعة ومتحملة، فلا ترهقي نفسك بعقوبة تقصم الظهر، ولا تجعليها هينة حتى لا تعتادي عليها.
سادسا: احرصي على الصحبة الصالحة، فإن المرء بإخوانه وإخوانه بدونه، وقد قالوا: الصاحب ساحب.
وأخيرا : أنت على خير -أختنا-، ولم يمت الإيمان بداخلك، وما رسالتك إلا دليل على ذلك، فلا تجعلي اليأس يجرك إلى الكسل والبلادة، ومن الآن انهضي -أختنا- وستجدين خيرا كثيرا ينتظرك.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله المستعان.