أعتزلت صديقاتي لعدم استطاعتي أن أكون بمستواهن المادي، أفيدوني

0 250

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة متزوجة منذ سنة وأربعة أشهر من شاب كنت أتمناه، وتركت لأجله جميع من تقدم لخطبتي من الشباب الأغنياء من أطباء ومهندسين، وتزوجت به بعد دعائي -بفضل الله- رغم محاولة إقناع أمي لي أن أتزوج من لديهم مناصب، لأنها تريد لي الأفضل، ولكنني كنت أفكر بالزوج الطيب الذي يحبني ويهتم بي ثم يكون غنيا.

قبل اتخاذ قرار الموافقة على هذا الزواج، كنت في حرب بين قلبي وعقلي، وكنت أخشى أن يكون رأي أمي هو الصواب، ثم أندم على عدم الموافقة على الذين تقدموا لي قبله، لأن مستواه المادي متوسط، ومستواهم أعلى منه، ولكن بعد التفكير قررت الزواج بمن أريد، وقلت: الرزق والغنى من الله، لأنني لا أعرف عن الرجال الآخرين شيئا، ومن الممكن أن تكون مواصفاتهم غير مواصفات زوجي التي أحببتها فيه، فحياتي مع زوجي جميلة في مظهرها، ولكنني لا أشعر بالراحة، وكلما سمعت عن زواج إحدى الصديقات أو القريبات أتضايق، لأنهن أفضل مني، فقد تزوجن برجال أغنياء وأصحاب شهادات ومناصب، وأقارن أزواجهن بزوجي العادي البسيط، وأنظر لنفسي وحياتي بنظرة سلبية، وأقاوم ما بداخلي، وأملأ عيني من زوجي، دون أن أبين له ذلك الأمر، لكي لا أفسد ما بيننا من ود وتقدير.

أصبحت أكره رؤية إحدى قريباتي في أي اجتماع أو جلسة، لأنها تزوجت بدكتور وأصبحت أفضل مني، كما لا أرغب بالاجتماع بصديقاتي، لأنهن تزوجن من رجال أغنياء أصحاب مناصب معروفة في مدينتنا، وأراهن سعيدات، ويلبسن المجوهرات الثمينة، ويحملن الحقائب الجميلة والهدايا، أنا لا أحسدهن، وأعلم أنها أمور دنيوية، ولكنني أتمنى أن أكون مثلهن عند لقائي بهن، فلقد كانت ثقتي بنفسي كبيرة قبل زواجي وزواجهن، ولكنني الآن أشعر بأنني أقل منهن، وأنظر لنفسي نظرة دونية، رغم أنني كنت الأفضل منهن في السابق.

أصبحت أخاف من المستقبل، خاصة أن زوجي سوف يستقيل من عمله بعد حدوث مشكلة له، ليبدأ في مشروع خاص به، كما أخاف من الحمل، لأنني أريد أن يكون طفلي أفضل الأطفال في التربية والملبس وكل شيء، وأرغب بالولادة في مستشفى خاص، وأريد بيتا ملكا لنا، وأريد الاستقرار وأشياء كثيرة، ولا أريد أن يكون أحد أفضل مني، شعور أتعبني، وأعلم أنه موضوع تافه، لا أريد أن أكون مريضة بالحسد، ولا أتمنى زوال النعمة عن أحد، ولكن أريد مثلها، وأريد أن تتغير نظرتي للأفضل كالسابق، فكيف السبيل لذلك كله؟

أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فردا على استشارتك أقول:
أولا: الزواج رزق مقسوم من الله، يسير وفق قضاء الله وقدره، لا يتخلف عنه كبقية شئون الكون، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وقال: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، يعني حتى عجز الإنسان وفطنته.

ثانيا: ما كان مقدرا للإنسان حصل عليه ولو وقفت الدنيا كلها ضده، وما لم يكن مقدرا له فلن يتحصل عليه، وإن أنفق ملء الأرض ذهبا للحصول عليه.

ثالثا: أنت قد حصلت على نصيبك باقتناع منك، وصرت متزوجة، والواجب عليك أن ترضي بما قدره الله لك، ولا يضيق صدرك بما ترينه حولك، فكل أخذ نصيبه، وما يدريك أنهن مرتاحات نفسيا؟ فأنت لا ترين إلا الظاهر، فالسعادة ليست بوفرة المال والمجوهرات والأمور الظاهرة، بل إن الغنى الحقيقي غنى النفس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الغنى بكثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)، والحكمة تقول: (القناعة كنز لا يفنى)، ومن الحقائق التي يقر بها جميع الخلق أن الإنسان خلق هلوعا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)، صحيح أن هذا الطمع فطرة فطر الله الناس عليها، لكن ينبغي مجاهدة النفس حتى تقنع كما قال الشاعر:

والنفس راغبة إذا رغبتها *** وإذا ترد إلى قليل تقنع.

رابعا: الكمال في البشر عزيز، فما من شخص إلا وفيه عيوب ونواقص، ولا بد من أن يغض الطرف عنها حتى تسير الحياة.

خامسا: تضايقك عند سماع زواج زميلاتك من أغنياء، وأصحاب شهادات ينبىء من تضجر لما حل بك، ولكي يسلم صدرك من الضيق الذي تجدينه لا بد من الرضا بما قدره الله لك، فالإيمان به ركن من أركان الإيمان، كما قال -عليه الصلاة والسلام- حين سئل عن الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، إلى أن قال وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى).

سادسا: كونك تريدين أن يكون لك مثل ما عند زميلاتك وأكثر، أمر مشروع لكن مع الفرح لهن بما هن عليه، وعدم التضجر، فأنت كما أخبرت عن نفسك أنك لا تتمنين زوال النعمة منهن، وهذا شيء طيب، لكن ما ينقصك هو إزالة التضجر من نفسك، وعدم التضجر من مخالطتهن ومقابلتهن، بل خالطي زميلاتك وشاركيهن أفراحهن ومارسي حياتك بشكل طبيعي، فإني أخشى أن يتسلل مرض الحسد إلى قلبك من حيث لا تشعرين.

سابعا: الأمور بيد الله والمستقبل بيده سبحانه وتعالى، فلربما خروج زوجك من عمله، وفتحه لعمل خاص به، يكون سببا في سعة رزقه، فيصبح من أغنى الناس، وفي المقابل بعض الأغنياء قد يصيرون فقراء، فلم الخوف من المستقبل؟!

ثامنا: عليكم بالتضرع إلى الرؤوف الرحيم الغني الودود، أن يوسع رزقكم ويفتح عليكم من خزائنه، وألحوا عليه بالدعاء ولا تملوا، فالله قد أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، واعلمي أن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

تاسعا: انظري لما عند زوجك من الصفات الطيبة واحمدي الله عليها، واقتربي من زوجك أكثر، وقومي بخدمته كما ينبغي، وكوني دائما أمامه بأبهى حلة، وأحسني توديعه أثناء خروجه واستقباله حال عودته، وهيئي له سبل الراحة تملكين قلبه.

عاشرا: احذري أن يفسد الشيطان عليك حياتك بهذه الوساوس والخواطر، فهو حريص على التفريق بين الأزواج، فيضخم لهم الأمور التافهة، حتى يبث الكراهية في القلوب.

أسأل الله تعالى أن يرزقك القناعة والسعادة، وأن يغنيكما من فضله.

مواد ذات صلة

الاستشارات