السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، منذ سنتين عانيت من الوسواس القهري، حاولت التغلب عليه، لكن الأفكار السلبية مسيطرة علي، ولا أعرف ماذا أريد في حياتي، لا أستطيع اتخاذ القرار، لذا أبكي دائما، ونومي متقطع، أستيقظ كل ساعة أو ساعتين، ولا آكل، شهيتي ضعيفة، وأعاني من مشاكل كثيرة مع والدي، فهو تركني ولم يصرف علي، ولا أتكلم معه منذ سنتين.
منذ سبع سنوات ارتبطت عاطفيا بشخص، وتقدم لخطبتي، فتم رفضه لصغر سني، ولكنني بقيت معه، يهينني ولا يحترمني، لكنه يحبني، لذلك تمسكت به لحبي له، وهو حاليا يريد التقدم، ولكن أمي ترفضه، لأنها ترى أنه غير سوي، ولا يحترمني، وأنا أعتقد أن أمي محقة، لكنني لا أستطيع أن أعيش بدونه، وأعاني من حالة هيستيريا ورعشة وعدم القدرة على التنفس كلما طلب مني أن نترك بعضنا، أشعر بضياع ولا أعرف ماذا أريد.
أشعر بأنني أريد العودة لطفولتي، لا أريد الحياة، حاولت الانتحار منذ أربع سنوات، ولكن لا أعلم لماذا فعلت هذا، شعرت بالوحدة، وكان الذي أحبه سيتركني.
أمي ضحت بالكثير من أجلي، وتعتقد أنه لا يناسبني، لكنني أعتقد أنه سيتغير بعد الزواج، وأنا خريجة كلية من كليات القمة، وهو أقل مني، وقد كنت أريد الذهاب لطبيب نفسي، ولكن ظروفي لا تسمح، أنا خائفة وتائهة، فأرجو المساعدة!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ justt حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
عندما ارتبط بك هذا الإنسان كنت صغيرة جدا، أي في السابعة عشر، والآن أنت في سن الثالثة والعشرين، والإجابة تكمن في ثنايا ما ذكرته في رسالتك، فقد قلت أنه في البداية لم يحترمك، وأهانك، ومع ذلك تتعلقين به، وأنا حقيقة أخاف أن يكون تعلقك به ناتجا من مشكلتك مع والدك، فأحيانا البنت عندما تكون لديها مشكلة مع والدها -أو فقدت والدها- تتعلق بأي رجل آخر، كشيء تعويضي نفسي، وليس حبا حقيقيا.
افعلي ما يمليه عليك عقلك -يا بنيتي،- ما ذهبت إليه والدتك التي ربتك وتعبت عليك، ونصحها لك بأن هذا الشخص غير مناسب لك نصيحة عظيمة، لأنه لا يكرم المرأة إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم، ولم يلتزم وصية النبي الكريم في قوله: (استوصوا بالنساء خيرا)، والذي قال: (هن عوان عندكم) أو قال: (هن أسيرات عندكم)، وصدقيني طول حياتي العملية مررت بحالات كثيرة من الزيجات، زيجات ارتبطت بما يعتقدون أنه حب وغرام وخالفوا أسرهم، وانتهت بهن المشاكل وعصفت بهن رياح الحياة الزوجية إلى الطلاق والفراق فيما بعد، وبعضهم جاء للعلاج النفسي.
لا يمكن للزوج ولا للزوجة أن ينفصلا عن عائلتهم، الزواج ارتباط أسري كبير، الزواج ارتباط اجتماعي، الزواج ليس بين شخصين فقط ينفصلان عن القبيلة أو العشيرة أو المجتمع، الزواج ترابط أسري بين عائلات، الزواج سكن ومودة ورحمة وحب واحترام وتقدير وتعاون وشراكة وتفاهم وإبداء الآراء بين الطرفين، الزواج هو الاستقرار النفسي.
لذلك لا بد أن يكون في الزواج توافق من الجميع، من الآباء والأمهات، ومن الأبناء والبنات، توافق بين ولي المرأة وأهلها وبين الزوج وأهله، وتراض بين الزوج وزوجته.
ولعل بعض الزيجات بعد إتمام الزواج تأتي السكينة وتأتي المودة والمحبة والتآلف والرحمة، لكن منذ البداية إهانات وعدم احترام وتقدير، فأول القصيدة كفر، فإذا كان هذا هو رأي والدتك، وإذا كان هذا ما يمليه عليك عقلك حقا، أرى ألا ترتبطي بهذا الشخص، وإن أخذت برأي والدتك - ونحن معها - وشعرت بالإحباط وشعرت بالتردد - مع وجود هذه الإهانات من قبله - سوف يختفي هذا الشعور، وسوف يذهب، وسوف تنسين هذا الشخص، ولكن إذا تزوجت به وحصل ما حصل سوف تندمين، سوف تكون حسرة، سوف تحصل مشكلات بين الأسر، خاصة وأن والدتك نصحتك ولها نظرة، فلا تقبلي لنفسك الإهانة، وأرى أن ترفضي هذا الشخص، وأن تحاولي أن تصلحي علاقتك مع والدك، لأنه في النهاية هو والدك، ومهما فعل فهو والدك، فأصلحي علاقتك معه، واتبعي نصح والديك وخذي برأيهما، وأنت خريجة جامعية وفي وضع محترم، وإن شاء الله تعالى يعوضك الله خيرا عن هذا الرجل، وسيأتيك من هو أفضل منه.
وفقك الله وسدد خطاك.
-------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. عبدالعزيز أحمد عمر -استشاري الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
-------------------------------------------------------
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفقك، ويصلح الأحوال وأن يجلب لك الطمأنينة، وأن يحقق في طاعته الآمال.
وأرجو أن تستفيدي من توجيهات مستشارنا النفسي -حفظه الله ووفقه- وثقي بأن قربك من الله مفتاح للعافية والخيرات، ولا دواء للطمأنينة في الصيدليات، لكنها في ذكر رب الأرض والسموات، قال تعالى:" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وننصحك بعدم الوقوف طويلا أمام المواقف السالبة، حتى لا تتسع دائرة الأحزان، وعيشي حياتك بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد، ولا تعودي للماضي فإن البكاء على اللبن المسكوب لا يرده ولا يفيد، وإذا ذكرك الشيطان بالمواقف القديمة ليحزنك فعامليه بنقيض قصده، وخذي من ماضيك العظات والعبر، والمؤمنة لا تلدغ من الجحر الواحد مرتين.
أما بالنسبة لوالدك فنتمنى أن ترممي علاقتك به، واعرفي للوالدة فضلها واقتربي منها، واستفيدي من خبرتها، وأشركيها في قراراتك وشاوريها، فهي الأخبر والأعرف وهي أحرص الناس على مصلحتك، ونأمل أن تفوزي ببرها، وتسعدي بدعواتها، وثقي بأن سعادتها في أن تراك سعيدة.
وإذا تقدم لك الشاب المذكور مرة أخرى، أو طرق بابك آخرون، فانظري إلى الدين والأخلاق، وقدمي العقل في تلك اللحظات على العاطفة، وتذكري أن مشوار الحياة طويل، وسارعي إلى صلاة الاستخارة؛ فإن فيها طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، وشاوري العقلاء من محارمك، وتواصلي مع موقعك، وتوجهي قبل ذلك وبعده إلى ربك.
والحياة الزوجية الناجحة تقوم على القبول من الطرفين والارتياح والانشراح، ونتمنى أن تتوقفي عن التواصل مع الشاب، وتتوبي إلى التواب، وتعطي نفسك فرصة للتفكير والسؤال، وانتظري طرقه للأبواب، لأن العلا قة الصحيحة لا بد فيها من غطاء شرعي، والإسلام يريدك مطلوبة عزيزة.
وكم تمنينا لو أنك ذكرت لنا تفاصيل ما يدل على أنه لم يحترمك؛ حتى نحلل الموقف ونساعدك في فهم شخصية الرجل المذكور، وننصحك بوضع إيجابيات الرجل في كفة، وسلبياته في الكفة الأخرى، حتى تتمكني من الحكم له أو عليه، علما بأنه لا يوجد إنسان يخلو من السلبيات، فنحن بشر والنقص يطاردنا، والقرار الناجح تسبقه نظرة شاملة، وتدبر في العواقب، وتفكر في الفرص المتاحة والخيارات، وجدية الشباب تتجلى في مجيئهم للبيوت من الأبواب، وفي قدرتهم على تحمل المسؤوليات، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يرفعك عنده درجات.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، فإن خزائن الخيرات في يديه، ونسأله سبحانه أن يسهل أمرك، وأن يغمرك بكرمه، وأن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.