السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أشعر بالذنب طوال اليوم منذ سنتين، وأشعر بأن الله سبحانه وتعالى غير راض عني بسبب أنني لا أستطيع أن أداوم على ذكر الله طوال اليوم -أي 24 ساعة-، وهذا التفكير لا يفارقني أبدا ولا لحظة، كأنه ملتصق في دماغي، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالذكر الكثير، ولكني أرى الناس تلعب وتمزح وتضحك، فهل هم على خطأ لأنهم بهذه الحالة معرضون عن ذكر الله؟ لكنهم يصلون ويصومون، لماذا يمزحون ويتكلمون إن كان يجب أن يكون كلامنا كله ذكر؟
فهل الإنسان مطالب بذكر الله تعالى بشكل دائم ومتصل؟ وهل كان الأنبياء والصالحون دائمو الذكر؟ أرجو أن تجيبوا، فأنا في حالة صعبة، وذهبت إلى أخصائي نفسي، فوصف حالتي بأنها أفكار قهرية، وقال لي: بأن أترك هذه الأفكار، وأنا بين الحين والآخر يحصل لي انهيار بسبب التفكير.
مشكلتي أنني أشعر طول الوقت بالذنب والحزن، أرجوكم وضحوا لي الأمر.
وقد سألت الكثير من رجال الدين، ولم يكن جوابهم واضحا، وكانوا مترددين في الإجابة، أو يكون جوابهم لا يخص سؤالي، والأغلب قالوا لي: يجب أن تذكر الله كثيرا (فهل يعني الكثير 24 ساعة)؟
كما أنني أشعر بالضيق عندما يتكلم الناس، وكأن الدنيا تضيق علي، وأقول هل الكلام حرام لأنه ليس ذكرا؟
ومهما كان جوابكم فأنا متسعد لأن أذكر الله في كل لحظة وثانية إن كان واجبا، وإن كان أمرا آخر فأنا مستعد أيضا حتى وإن كان في ذلك إهلاك نفسي في سبيل رضى ربي عني.
أتيت لكم لثقتي بكم، مع الشكر
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أيها الأخ الكريم في الشبكة الإسلامية.
وردا على استشارتك أقول: إن الله تعالى لما أمرنا بالذكر في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا)، فليس المقصود من ذلك الذكر الذي يشغل كل وقت الإنسان، وذلك لأنه مطالب بأمور أخرى كطلب الرزق كما قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور)، فالآمر هنا وهناك واحد وهو الله تعالى، والإنسان يحتاج وقتا للأكل والنوم، ووقتا لقضاء وطره مع أهله ولزيارة أرحامه، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، ولزورك (ضيفك) عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
قال العلماء في تفسير الآية: (اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا، واشغلوا أوقاتكم بذكر الله تعالى عند الصباح والمساء، وأدبار الصلوات المفروضات، وعند العوارض والأسباب، فإن ذلك عبادة مشروعة، تدعو إلى محبة الله، وكف اللسان عن الآثام، وتعين على كل خير)، فالمطلوب من الإنسان أن يكون متوازنا في وقته وأعماله، ولا يغرق في جانب ويترك بقية الجوانب، فإن ما يدور في ذهنك لم يفعله الأنبياء ولا الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، ولا الصالحون من بعدهم، وقد روى مسلم في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسيدي -رضي الله عنه-، قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، ونسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وما ذاك ؟) قلت: يا رسول الله ! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة " ثلاث مرات.
والشاهد من هذا أن الإنسان ليس مطلوبا منه أن يكون على حال واحدة، ولكن المطلوب منه التوازن، فيشغل كل وقت بعبادة، وحياة المسلم كلها عبادة كما قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، فالحياة كلها لله بما فيها من أعمال، يقول الصحابي الجليل معاذ -رضي الله عنه-: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، (وفي بضع أحدكم (جماع الزوجة) صدقة)، (حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك فيها صدقة).
فاطمئن أيها -الأخ الكريم-، وتوازن في حياتك، واشغل أوقات فراغك بالذكر، فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
أسأل الله لك التوفيق والسعادة، وأن يكتبك من الذاكرين الله كثيرا.
والله الموفق.