السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمي متزوجة من والدي منذ 25 سنة، الآن هي سيدة تجاوزت 40 عاما، ووالدي يبلغ من السن 55 عاما، ونعيش في قرية.
أمي منذ زواجها وأيام شبابها كانت تطلب من والدي أن ينتقل بها للعيش في مدينة أخرى تتوفر بها كل الخدمات، واستخدمت معه شتى الأساليب، ولكن كانت تواجه بالرفض من أبي، إضافة إلى أن القرية يسكن بها أقارب والدي، فهو لا يستطيع الانتقال.
أمي الآن أصبحت بائسة جدا! فهي لا تمارس حياتها بشكل طبيعي من تدبير المنزل وغيره، وتعاني من ضيقة ووحدة وضغط نفسي بسبب المكان، كما تعاني من مرض في رأسها، ووالدي رجل يتسم بشخصية العناد وعدم الإحساس بأمي وبنا نحن أبناؤه، فهو يبحث عن سعادة نفسه فقط، وحقوقنا عنده فقط ما اقتضاه له الشرع من نفقة ومأكل ومشرب! أما ما دون ذلك من مشاعر وإحساس بأمي بالذات فلا يوجد.
الآن أفكر جديا أن أساعد أمي لتغيير حياتها والانتقال بها لتعيش في المدينة التي تريدها.
أريد استشارتكم ونصائحكم وحلولكم حول ما تعانيه أمي، كيف أقنع والدي بتنفيذ رغبات والدتي وتحسين حياتها المعيشية والنفسية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالأصل أن المرأة تسكن حيث سكن زوجها ولا يجوز لها أن تمانع، طالما السكن يليق بها ما لم يكن ثمة مسوغ شرعي، يقول ربنا -جل وعلا-: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن). يجب أن تنبني الحياة الزوجية على التفاهم والتعاون لا على الغطرسة وفرض الرأي، ولنا في حياة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة.
اجتهدوا كأبناء في القرب من والدكم، فالبعد والابتعاد يولد الجفوة، ولا تصبوا اللوم على والدكم وحده، فتحننوا له واخدموه حق الخدمة وابتدؤوه بالكلمات التي تثير عواطفه وتجعله يتفاعل معكم ويلتفت إليكم، ونوعوا أساليب التعامل معه، فمهما كان والدكم قاسيا فسيلين، وعلى أمك أن تقترب منه كذلك، ولا تجعل تعامله سببا في أن تبتعد عنه أو تهمل نفسها، بل ينبغي أن تتجمل له وتهتم به من كل الجوانب، فتبتدؤه بالكلمات العاطفية، وتهتم بمظهرها ومظهره ومطعمه ومشربه، وتهيئ له سبل الراحة، وتشاركه همومه وتحاوره بالحسنى، وتقدم طلبها بأسلوب حسن وفي الوقت المناسب، وأنا على يقين من أنه سيلتفت إليكم وسيشعر بتقصيره تجاهكم.
تعاونوا جميعا في تقوية إيمانكم، فقوة الإيمان تولد رقة في القلب، وأفضل السبل لتقوية الإيمان بعد المحافظة على فرائض الله تلاوة القرآن والصوم والإكثار من ذكر الله وسماع المواعظ المؤثرة.
ينبغي أن تكون لكم جلسات حوار مع والدكم تناقشون فيها أحوال أسرتكم وسبل النهوض بها والتعاون من أجل إحلال السعادة في أوساطها.
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فاجتهدوا في التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وسلوا الله أن يلين قلب والدكم ليحقق لكم ما تصبوا إليه.
لا شك أنه يوجد مقرب من إخوتك عند والدك ذكرا كان أو أنثى، فاجعلوه هو من يتقدم بما تطلبون، فالشفعاء يختلفون باختلاف قربهم من المشفوع عنده.
ذكروا والدكم بمنافع الانتقال إلى المدينة وبينوا له عدم راحتكم في العيش بالقرية، فحين يكون رأيكم موحدا يؤثر في والدكم وليس كما لو كانت لكم وجهات نظر مختلفة.
قد يكون من المفيد أن تسلطوا عليه شخصا ممن يثق به ويصغي لنصحه ممن يسكن المدينة ليحاوره في موضوع الانتقال إلى المدينة، فمن الناس من جعلهم الله مفاتيح للخير.
لا تدرون ما الخير لكم! هل السكن في القرية أم المدينة؟ ولذا فصلوا صلاة الاستخارة وادعوا بالدعاء المأثور قبل بدء التحاور مع والدكم، فإن كان الخير في سكن المدينة فستسير أموركم بيسر وسيلين الله قلب والدكم، وإن تعسرت الأمور فاعلموا أن الله اختار لكم البقاء في القرية، فاحمدوا الله وكونوا على يقين أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
أسأل الله لكم التوفيق، وأن يختار لكم ما فيه الخير والصلاح والله أعلم.