السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة متعلمة، حاصلة على درجة الماجستير، قبل 4 أو 5 سنوات تم عقد قراني على شاب، ولكن لم يحصل بينا اتفاق، وبإصرار مني انفصلت عنه، وأرجعت له المهر وكل شيء.
بعد انفصالي عن الشاب أصبحت أمي تعاديني بأشكال عديدة، لأنها أحبت ذلك الشاب، وكانت تقول عنه أنه طيب، وتبكي أمام الناس لأنني رفضته، أحرجتني بعدائها لي، بقيت في البيت أسبوعين معاقبة على ذلك، وقع علي الظلم والإهانة بالكلام والأفعال، حتى أصبحت أشعر أنني غريبة عنهم، ولا أستطيع تقبلهم من جديد، ولا أرغب بالحقد والشحناء عليهم، ولكن أمي وأخواتي خذلوني.
أحاول الآن بتحسين العلاقة بيننا، وقد خطبتني صديقتي لأخيها، فأبلغت أمي بذلك، ولكن أبي رفض بسبب اختلاف القبيلة، فأخبرت صديقتي برفض والدي وانتهى الأمر، لكن أمي كذبتني بعد فترة، وقالت: لم يخطبك أحد، ولا أحد يفكر بالمطلقة، ولن يأخذك إلا رجل مسن، أو معدد.
أنا على يقين بأن رزقي بيد الله، لكنني أستغرب ما تفعله أمي بي! فهل هذا شيء طبيعي؟ أحاول الانشغال بالبحث عن وظيفة، وتثقيف نفسي، وإتقاني لغات عديدة، فأنا لست متفرغة تماما، وأحاول المساعدة في البيت بالتنظيف والطبخ، ولكن دون تقدير، بل على العكس لا أسمع سوى الشكوى بتعب أمي من شغل البيت، إلى غير ذلك فإنهم يخبئون الأكل عني، أو يوزعونه على زوجات إخوتي حتى لا آكل منه، وأتعرض منهم للإهانة أمام الناس.
أعاني أيضا من كثرة الانتقاد والكذب في أتفه المواضيع، ولا أصدقهم بشيء، لا أعلم ماذا أكتب لكم أيضا، ولكن هذا الأمر أتعبني، وأتمنى أن أكون صديقة لأمي، وأدعو الله بذلك، ذات مرة جلست مع أخي الذي يبلغ من العمر 22 سنة، وأبلغته عن رغبتي بجلوس أمي وأبي في بيت بمفردهم، وكان ذلك بحسن نية مني، ولكن أمي غضبت لذلك، وقالت لي: من أجل ذلك لا نثق بك.
كل المواضيع التي تطرح أمامي تكون عن الزواج، ومدح سواء صحيح أو كذب، كل ذلك لإثارة غيرتي، ومقارنتي بغيري، لقد حاولت التحدث مع أمي وأبي لتعديل الوضع بيننا، ولكن دون جدوى، سئمت الحياة، فهل من المعقول أن تبقى كل حياتي معاناة، أرشدوني كيف أتصرف؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ lujain حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
كنا نود أن نتعرف على المبررات التي من أجلها قررت الانفصال عن زوجك؛ لأن ذلك يعطينا تصورا كاملا عن القضية، وقد يعيننا ذلك في بعض التوجيهات لأفراد أسرتك.
كل شيء يسير في هذا الكون بقضاء الله وقدره، وكل ذلك لحكم لا يعلمها إلا الله تعالى، وعلى المؤمن أن يكون راضيا بقضاء الله وقدره ولا يتسخط، ففي الحديث الصحيح يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
لا بد أن تكون والدتك موقنة بهذا المعنى، ولا بد أن تعرف معاناتك في حياتك السابقة، حتى لا تلقي باللائمة عليك، وأنك بطرت نعمة الله عليك، فتعامل زوجك معها غير تعامله معك، فأنت من عانت من تصرفاته وليس هي، فعليك أن تحاوريها بالحسنى.
أمر الطلاق مضى وانقضى، وينبغي على أفراد أسرتك أن يقفوا بجانبك، فأنت منهم وإليهم، حتى ولو كنت قد أخطأت في اتخاذ قرار الانفصال، وأرى أن تجلسي مع أقرب أفراد العائلة إليك، من أجل أن يتفهم المبررات التي جعلتك تخالعين زوجك، فإن تفهم ذلك فعليه أن يجلس مع أقرب أفراد العائلة إليه ويقنعه بالمبررات، وأنه ينبغي أن نقف بجانب أختنا فهي منا وإلينا، ولا يجوز أن نبقى نذلها، فهي عرضنا أولا وآخرا، وسنسأل عنها بين يدي الله.
وهكذا تسيرون مع كل أفراد العائلة، فإذا استطعتم أن تقنعوا جميع إخوانك أو أغلبهم، ففي هذه الحال تنظرون صاحب الشخصية القوية في البيت، هل هي أمك أو أبوك؟ فإن كانت أمك فيتقدم لها أقرب إخوانك إلى قلبها، والذي لا ترد له طلبا، وتحترم رأيه، فيطلب منها جلسة خاصة لا تشتركين أنت فيها، ولا يشعرونها أنك رتبت لذلك فيتكلمون مع أمك برفق وحكمة، ويتذللون بين يديها، ويقبلون رأسها ويديها، وركبتيها إن تعصبت نتيجة فتح هذه القضية، فيطرحون المبررات التي لا تعرفها، ولا بد أن يثنوا عليك بما تقومين به من أعمال البيت، وأنك في النهاية من هذه الأسرة وإليها، ويجب أن يقف الجميع معك حتى تخرجي من هذه المحنة، ولا بد أن يذكروا لها أن ترابط الأسرة أمر مهم، وأن يأخذ بعضهم بيد بعض ظالما أو مظلوما.
قومي بأعمالك في المنزل، وابتغ الأجر من الله تعالى، وتحملي تصرفات والدتك، فكل انفعالاتها إنما مبررها أنها تريد مصلحتك وسعادتك، وإن كان أسلوبها خاطئا، ولا بد أن تتكلمي مع أخواتك بهذا الموضوع، فهن أكثر من سيتفهم وضعك، وذكريهن أن كل واحدة يمكن أن تتعرض لمثل هذا الموقف، وأنه لا بد من الوقوف بجانب كل من يحدث لها أي قضية، وألا يبقى الآخرون يتفرجون عليها، وكأن الأمر لا يعنيهن، خاصة إن ظلم من بعض أفراد العائلة وصار منبوذا محتقرا.
قبل هذا وبعده لا بد أن توثقي صلتك بالله الذي بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء، فأد ما افترض الله عليك، وأكثري من التقرب إليه بالنوافل، وتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، وسلي الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا فأنت مضطرة، والله تعالى يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، واقتربي من والديك وتذللي بين يديهما، وقومي بخدمتهما، واطلبي منهما الدعاء، ونالي رضاهما حتى وإن صدك أحدهما، فعاودي ذلك بين الحين والآخر، وتصبري فمن يتصبر يصبره الله، والصبر عاقبته حسنة (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)، وكوني على يقين بأن رزقك سيأتيك فلا تيأسي أبدا، وعليك أن تتحري من صفات من سيتقدم لك، وأهم ذلك أن يكون صاحب دين وخلق.
اشغلي وقتك بكل مفيد، واجتنبي المجالس التي تتوقعين أن يصدر من الناس بعض الكلمات التي قد تجرحك، وإن سمعت شيئا من ذلك فلا تعيريها أي اهتمام، فإن انشغالك بذلك سيجلب لك الهم والغم، وكوني صاحبة شخصية قوية لا تهزها مثل هذه الأفعال، ولا تنطوي عن مخالطة أفراد عائلتكن والعيش بطريقة اعتيادية، فانطوائك يشعر الآخرين بضعفك، ومع هذا فلن نستطيع تكميم أفواه الناس، أو ثنيهم عن نهش لحوم الآخرين.
لا شك أنك في هم كبير، ولكي يزول ذلك الهم الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن ذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك)، واجعلي لنفسك وردا يوميا من القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول ربنا -جل وعلا-: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فكلنا ذو خطأ، وأصحاب ذنوب، وللذنوب تبعاتها، ومن ذلك أنها تحرم صاحبها من الرزق، ما لم يتب الإنسان منها، ففتشي في نفسك من باب المحاسبة، فإن وجدت شيئا من ذلك فبادري بالتوبة، وإلا فتوبي إلى الله واستغفريه بشكل عام من كل الذنوب، ما تعلمين منها وما لم تعلمي.
نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يعجل لك بالفرج، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك.
والله الموفق.