السؤال
تزوجت ابن خالتي بعد قصة حب، كان الوسيط بيننا أخته وجدتي، مر على عقد القران سنتان، سنة خطبة وسنة زواج، تربى في منطقة بدوية يغلب عليها الطبع الجاف، والأفكار المتحجرة، بعد الزواج أصبح يعتذر عن السفر بي لمنطقة قريبة، لأكمل جلسات الليزر والتسوق كما تعودت قبل الزواج، ويتعذر بأنه لا يملك المال لأخذ شقة، وأنا أقترح الذهاب والرجوع في نفس اليوم، ويرفض، مع العلم أني أعالج وأتسوق من مصروفي الذي يعطيني إياه!
جربت أكثر من حيلة لإقناعه بلا فائدة! حتى عندما أطلب منه الخروج لمكان عام مثل المهرجانات، يرفض بحجة أنه لا يحب التجمعات، ويفضل الجلوس في البيت ليكافئ نفسه آخر الأسبوع، ويذهب لأهله للخروج للبر والصيد.
أنا عاطلة بلا عمل ولا دراسة، وأصبحت أتسوق اون لاين أو أختار من الصور وأختي تحضرها لي، ولا أخفي عليكم حالة الكآبة التي أمر بها بسبب طول جلوسي بالبيت، ورفضه المستمر لأخذي لأي مكان عام، حتى وإن كنت عرضت عليه أن أخرج على حسابي من باب كسر الروتين.
حاليا الشيطان يوسوس لي لأنفصل عنه؛ لأني حقيقة لا أستطيع أن أكمل حياتي بدون أن أدلل نفسي بالعيادات، أو أن أختار لبسي كما تعودت.
هو أول حب، وأول رجل، وأول عشق، ولكن تعبي النفسي بدأ يغلب على هذا الحب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hms حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فطبيعة السكنى في المناطق البدوية الجفاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدا جفا) ولكن مع هذا يمكن أن تتغير تلك الطباع مع المران والممارسة، وأنت من خلال تحاورك مع زوجك بإمكانك أن تعوديه على الكلمات العاطفية وعبارات الحب، فأنت عندك من الصفات الأنثوية ما تستطيعين أن تستميلي قلبه وتليني من طباعه، ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- في النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن).
يمكنك أن تستكشفي نقاط ضعفه، فتعالجي عدم شعوره بما تحسين به من خلالها، ومن ذلك على سبيل المثال إن رأيت أن ذلك يلفت نظره، ويجعله يطلب منك التجمل أن تتركيه بكل أنواع الزينة، وأن تبقي بثياب المهنة، فإن أظهر تذمره فقولي له: خذني إلى السوق لأشتري بنفسي، ولأنتقي بيدي.
النقطة الثانية: إن رأيت أنها تفيدك هي عدم التفاعل معه أثناء العلاقة الحميمية، فإن سألك عن تغيرك فاذكري له أنك تشعرين بالكآبة جراء الانحباس في البيت؛ ولذلك يشرد ذهنك فلا تستطيعين التفاعل معه.
اجتهدي في تأسيس مبدأ الحوار البناء بينك وبين زوجك، فالنقاش الهادىء سيوصلكما إلى حلول مرضية للطرفين -بإذن الله تعالى-، وأتمنى أن تتناقشي معه بهدوء تام في حال صفاء ذهنه عن حقوقه وواجباته، وابدئي بالسؤال عن حقوقه، واستمعي له ثم اسأليه عن واجباته، وذكريه بأسلوب حكيم بقول الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ۚ وللرجال عليهن درجة ۗ والله عزيز حكيم)، وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
هناك من تشتكي من كثرة خروج زوجها من البيت، ومن السهر خارجها، وربما كان له رفقاء سوء يعلمونه بعض العادات السيئة، وأنت زوجك بجوارك، فهذه أنا أراها صفة إيجابية أكثر منها سلبية، وإن كان التوسط والاعتدال مطلوبا في كل شيء، فسليه لماذا يذهب إلى البر هو وأهله؟ فإن أجابك للترفيه عن نفوسنا، فسليه بأسلوب راق: وهل أنا لا أحتاج للترويح عن نفسي، ولو يوما في الأسبوع في المكان الذي أرتاح له؟ وقصي له قصة مسابقة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي هو قدوتنا أجمعين، كيف كان يسابق عائشة في البر، وكيف كان يجعلها تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد النبوي، من باب ملاطفتها والترويح عن نفسها.
لماذا تعودينه على عدم القيام بواجباته كشراء ما تحتاجين إليه، وتكلفين أختك بذلك؟! فلو طلبت منه أن يقوم بالشراء لأخرجك معه من أجل أن تنتقي ما تريدين، ومن واجباته أن يعالجك، ويأخذك إلى الطبيب وينفق عليك، ويروح عن نفسك بما هو مباح؛ لأن ذلك من العشرة الحسنة، فلا تعوديه على أن تقومي بواجباته، أو تكلفي من يقوم بها، وانظري مدى فاعلية الشكوى إلى والده إن لم ينفع معه ما سبق، أو التحدث إلى والدك ليتكلم معه بذلك.
الطلاق ليس حلا، وقد أصبحت زوجة، ونظرة المجتمع للمطلقة فيها شيء من الظلم والقسوة، ولم تصل الحياة مع زوجك إلى درجة لا تحتملين العيش معه، خاصة وأننا لم نجرب كل الحلول المتاحة، فاجتهدي في إصلاحه وتعديله، واصبري على ذلك، فتغيير السلوك والطباع التي تربى عليها طيلة ما مضى من عمره لا يمكن أن تتغير بيوم وليلة، ولا تصغي لوساوس الشيطان الذي يسعى لتخريب بيتك، ولن يرتاح حتى يحقق ما يريد، فأكثري من الاستعاذة بالله منه كلما جاءك خاطر طلب الطلاق، واجتهدي في تقوية إيمانه وصلته بالله تعالى؛ فذلك كفيل بأن يرق قلبه ويلين جانبه، فكم من الناس من كان غليظ القلب، فصار قلبه ألين من الحرير حين خالط الإيمان بشاشة قلبه، ولو أنكم تقرؤون سويا بعض الكتيبات عن الحقوق الزوجية، لكان ذلك نافعا بإذن الله تعالى.
اجتهدي في توثيق صلتك بالله، وتقوية إيمانك بشكل خاص، وأكثري من الأعمال الصالحة؛ فإن الله قد وعد من تحقق فيه ذلك أن يحييه حياة طيبة، ومن ذلك ألا ينغص عيشته بمن حوله، بل يجعلهم يسعدونه قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، ومن سنن الله أنه لا يغير ما بقوم حتى يقوموا هم بتغيير أنفسهم، فالجزاء من جنس العمل، فلو غيرت من حالك لغير الله حياتك، وأبدلك الفرح بعد الحزن والسعادة بعد التعاسة، والأنس بعد الوحشة، فتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى أن يصلح الله حال زوجك، وأن يجعله يحس بك وبمعاناتك، وأكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك)، وحافظي على ورد من القرآن الكريم، وداومي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول الله جل وعلا: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يلهم زوجك رشده، ويصلح حاله، ويسعدك إنه سميع مجيب.