تعاملت مع امرأة ماكرة بنفس أسلوبها وأشعر بتأنيب الضمير!

0 40

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعزائي سأسرد لكم قصتي؛ لعلي أجد منكم النصح والإرشاد، اضطررت أن أخالط في مجتمعي وفي موائدنا بل وفي بيتنا إنسانة تمكر بنا، وفي كل مرة كنت أحاول رد مكرها عنا، ولكن تخرج هي المنتصرة، وتخرج هي بالفائدة.

ذات مرة كنت أجلس مع واحدة من معارفي، وكنت أقص لها عن مكرها وأعطتني خطة أفعلها وتصبح الأمور كلها لصالحي، فعلا؛ صار لي ما أريد، ولأول مرة نربح نحن وهي تخسر، لكنها فازت بالمكر!

الحمد لله؛ أنا لم أظلمها ولكن أوقفتها وأوقفت ألاعيبها، الآن ضميري يؤنبني؛ أخاف أن أضل طريقي، أخاف أن يعجبني المكر وأتخذه سبيلا للاسترزاق المريح، أخاف أن أصبح كذابة ومنافقة ومكارة، ويتطور الأمر إلى الظلم.

أنا عشت مع ماكرات وأعلم أن هذه هي النتيجة، كيف لي أن أحافظ على الصدق والإخلاص فأنا في أول الطريق؟ ضعوا لي نقاطا أتبعها حتى لا يزين لي الشيطان سوء الأخلاق! أرشدوني وأدعو لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مطمئنة النفس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأسأل -الله تعالى- أن يجعل قلبك كما هو لقبك (مطمئنة النفس)، وكم هو طيب أن تتحري الورع والبعد عن المحرمات والمشتبهات لا سيما في التعامل مع الأهل والأقارب، فالمشاورة -كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله- تنفي الهوى.

فمن مداخل الشيطان على الإنسان تهوين المحرمات في نظره وتبريرها بل وتأصيل إباحتها بإضفاء طابع ودليل الحل عليها والعياذ بالله، ولا شك أن التحايل على الحرام أعظم من الوقوع في الحرام؛ لأنه حرام وزيادة لما يستلزمه من تحليل الحرام وقصد التحايل على رب الأنام -سبحانه وتعالى-، وقد قص علينا القرآن الكريم حيلة اليهود في استباحة الصيد يوم السبت بعد إذ حرمه الله عليهم وعقوبته للمتحايلين والساكتين المقرين أيضا كما في -سورة الأعراف آية: 164-166، ومثله ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها)؛ ولذلك قال المحققون من العلماء بوجوب تعطيل آثار الحيل فلا ينبني عليها تحريم الحلال ولا تحليل الحرام ولا تغيير الأحكام؛ لمنافاتها لمقصود الشرع فيعامل المحتال بنقيض قصده.

تأنيب ضميرك أن تكوني ارتكبت بالحيلة ما يغضب الرب ويستوجب عقابه دليل ورعك وخشيتك من -الله تعالى- وهو علامة صحة الإيمان وصدق التوبة: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) ولا شك أن الأخلاق لم يكن لها هذا الفضل الكبير والأجر العظيم إلا لمشقتها على النفس لمنافاتها هواها.

وأما بصدد سؤالك فواضح أنك اكتفيت بالعموم والبعد عن التفاصيل، فلم تذكري صفة وصورة الحيلة من الطرف الآخر، والحيل المضادة منك ربما عن حياء أو طلبا للستر.

ولذا فإن الجواب على التعميم أيضا ببيان التفصيل الآتي ليمكنك تنزيل الحكم حسب الواقعة والله المستعان، وهو كالتالي:

1- لا يجوز تعاطي الأساليب والوسائل المحرمة في أصلها كالاعتداء على النفس والمال والعرض للوصول إلى الغايات والمقاصد المشروعة، فغير المشروعة من باب أولى، ولا يجوز دفع الضرر بمثله ابتداء أو دفعا، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار) وهو حديث حسن بمجموع طرقه، بل هو قاعدة فقهية مشهورة معروفة: (الضرر يزال).

كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم قوله-: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)؛ ولذلك لا يصح أن يقال بأن (الغاية تبرر الوسيلة)، فلا يجوز استباحة الوصول إلى المصلحة المشروعة بالوسائل غير المشروعة بالمكر، والخديعة، والخيانة، قال تعالى: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).

2- وتجوز الحيلة إذا كانت مباحة، أو مشروعة في وسائلها وغاياتها وهي التي يسميها العلماء -مخارج شرعية- قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، ومنه: إباحة الكذب لإصلاح ذات البين وبين الزوجين -فيما يدخل المودة بينهما-، وفي الحرب فإن الحرب خدعة. رواه البخاري، وكمثل الحيلة الشرعية التي توصل بها -نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- إلى مقصود شرعي (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله).

وما ورد في الصحيحين من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث كذبات)، ثم ذكر كذبته المشروعة في الاعتذار عن حضور حفل المشركين بقوله: (إني سقيم)، وعن هدمه الأصنام بقوله: (بل فعلهم كبيرهم هذا)، وسمى زوجته أختا له؛ وهي عند التأمل من باب التورية والمعاريض لا الكذب الصريح، وفي الحديث: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) وهو حسن بمجموع طرقه. لكن لو اضطر إلى الكذب الصريح دفعا للضرورة فجائز لما تقرر في القواعد الفقهية من قولهم: (الضرورات تبيح المحظورات) لقوله تعالى: (إلا ما اضطررتم إليه) بشرط (غير باغ ولا عاد)، أي من غير بغي بقصد الحرام رغبة فيه لذاته، (ولا عاد) أي من غير عدوان بالزيادة عن الحد؛ لأن (الضرورة تقدر بقدرها) أي لا يزاد فيها عن قدر الحاجة والضرورة بل تتعاطى بحسب ما يرفع الضرورة فحسب.

والخلاصة: إن الغايات إذا كانت محرمة فلا يجوز تعاطي الوسائل لتحقيقها ولو كانت الوسائل مباحة، وأما إذا كانت الغايات مباحة (كما في السؤال لرد المكر واسترداد الحقوق)، فيجوز تعاطي الوسائل المباحة فحسب لها دون الممنوعة إلا في حالة الضرورات، وهي التي لا بد منها ولا غنى عنها إذ في تركها مشقة زائدة كما سبق -والله أعلم-.

وأخيرا: فإني أوصيك بالوصول إلى حقوقك بالطرق الواضحة غير الملتوية: كالحوار والمصارحة، أو الاحتكام إلى جهات عاقلة ناصحة.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات