السؤال
السلام عليكم
أنا امرأة مطلقة، وبعمر 38 عاما، أفشل في كل علاقة، وكلها كانت جادة بنية الزواج، وأكون لحوحة بمن أرتبط به، وأحبه أن يهتم بي دائما، ويسأل عني، ويكون هو شغلي الشاغل.
أنا جميلة في نظر الكل، وأحيانا بعد أن نتفق على العقد نجد أنفسنا في خلاف.
آخر علاقة كانت قبل عشرين يوما، تعرفنا على بعض من موقع نت، هو مطلق مرتين، وأنا أريد أطفالا، وهو عنده طفلتان من الأولى، ومن نفس بلدنا، والثانية من بلد آخر، وعنده بيت.
بعد أن اتفقنا على أن يأخذ رقم ولي أمري وثاني يوم يقوم بنظري، وحذفته من كل الحسابات ماعدا الواتس آب، وسألته، قال: استخار ولم يوفق!
قطعنا علاقتنا يومين، وأنا رجعت له، وبدأ الحديث بعد نقاش معه، قال: هو يخاف من أن التجربة تفشل، وخصوصا هو متخوف من التجارب السابقة.
صرت أفكر فيه وأتصل به كثيرا، ويعتذر أن يرد بأنه مشغول، ماذا أفعل؟ هل السبب الخوف من الماضي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاتن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن معرفتك لصفاتك وصفات غيرك الإيجابية منها والسلبية أمر بالغ الأهمية في سبيل حسن التعامل معها، وبناء الحكم عليها، واتخاذ الموقف المناسب إزاءها، ولتنمية الإيجابيات وتطويرها للاستفادة منها وتوجيهها لتحقيق مصالحك الطيبة، ولتحاشي السلبيات للتنزه عنها ما أمكن في سبيل الابتعاد عما قد يعترض حياتك من متاعب ومشكلات.
لذلك قيل في الحكمة: (رحم الله امرأ عرف قدر نفسه) وقيل أيضا في الحكمة: (المرء حيث يضع نفسه)، قال الشاعر:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلي.
كونك كما ذكرت -حفظك الله– امرأة مطلقة وتفشلين في علاقات الزواج، فإن مما يصد الأزواج عنك كونك أيضا لحوحة، أي كثيرة الجدال والطلب، وكونك عاطفية تبالغين في الحرص على الاهتمام بك والسؤال عنك، فلا شك أن هذه الصفات سلبية في نظر الخاطبين والأزواج، الأمر الذي يقف وراء مشكلاتك ورغبة الأزواج عنك.
يرغب الأزواج كثيرا بالمرأة السامعة المطيعة الهادئة؛ كونها تساعد على تحقيق مقصد الشرع في تشريع الزواج، كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) والمراد (باللام) في قوله: (خلق لكم) الملك والاستحقاق والاختصاص والانتفاع، ففيه إشارة ودلالة على ما يشبه تمليك المرأة المعنوي لزوجها، (لتسكنوا إليها) أي ليطمئن قلبه بها، ولتفرح نفسه برؤيتها وعشرتها، ويأنس ويميل إليها وينعطف عليها وتزول بها وحشته واضطرابه، ولا ينفر منها ويأوي إليها لقضاء حاجاته الإنسانية الطبيعية.
إلا أنه فيما يظهر أنك تتحلين بصفات إيجابية تدل عليها لغة رسالتك هذه، كما يدل عليها سنك وعمرك الذي شارف الأربعين سنة، وهي مرحلة يكون فيها الإنسان في أشد العقل، كما قال تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة).
كما أن تحليك بالعاطفة صفة إيجابية للمرأة كونها تدل على الأنوثة ورفاهية الحس والمشاعر، إلا أن من مقتضى النصيحة لك أن تحذري من المبالغة فيها منعا من تنفير من حولك، فإن الإفراط والتفريط في كل شيء مذموم، و(الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده)، فالتوسط والاعتدال يدل على توازن الشخصية واستقرارها وسهولة التعامل معها.
واضح من خلال سؤالك نفور الرجل الذي تقدم لخطبتك لما سبق من عقد في زواجاته السابقة، حيث أنه قد تزوج وطلق مرتين، فهو خائف من تكرار مثل هذه التجارب.
الواجب عدم الإلحاح عليه- حرصا على نفسيتك وكرامتك-وترغيبا له في طلبك، حيث إنه كما قيل في المثل والمعروف عقلا أن (كل ممنوع مرغوب)، وكما قال الشاعر:
منعت شيئا فأكثرت الولوع به ** أحب شيء إلى الإنسان ما منعا.
الخلاصة في الإجابة عن سؤالك: (ماذا أفعل)؟ تتلخص في الأمرين السابقين وهما:
- محاولة تنمية صفاتك الإيجابية، وتحاشي الصفات السلبية ما أمكن، ومعلوم أن كل إنسان لا يخلو – مهما عظم قدره وعلت مكانته – من النقص والضعف والعجز والخطأ والعيب، (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، والكمال لله تعالى وحده سبحانه وتعالى.
- الإعراض عن خطيبك حتى يكون هو الذي يحرص عليك، ولا مانع من إرسال من تثقين به لمحاورته في شأنك، من حيث لا يعلم ولا يشعر أنك وراء هذا السؤال والطلب.
اعلمي أن الخيرة فيما يختاره الله، ولن يكون في الكون شيء إلا ما قدره الله، (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، فثقي بالله وكمال حكمته ورحمته بعباده، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وهذا لا يتنافى مع واجب بذل الأسباب، بل يتوافق معه في تحقيق عبادة التوكل.
الله الله في الدعاء والذكر والطاعة، والانشغال فيما يعود عليك بالخير والفائدة، والله الموفق والمستعان، سددك الله وأعانك، وأسعدك في الدنيا والآخرة.