السؤال
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
بداية أود أن أشكركم على هذا الموقع وهذه الأجوبة النموذجية الرائعة، جعلها الله في ميزان حسناتكم، وكل ما دار في بالي من سؤال أجده في موقعكم -والحمد لله- وأنا من أكثر المعجبين والمتابعين لإسلام ويب.
أنا خجولة جدا وطيبة وهادئة ومتواضعة ومسالمة، ولا أحب المشاكل، ومشكلتي أن الناس يستهزؤون بي نظرا لتعاملي معهم بطيبة وسلام وتواضع، بينما يتعاملون مع النفوس الحقودة والقوية بلطف، وقد حاولت أن أكون قاسية، لكني أعود لطبعي الحقيقي، علما أني من شدة الخجل أرتبك في الكلام.
ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أن تكوني طيبة وخجولة وهادئة وعفوية ومتواضعة ومسالمة لا تحبين المشكلات فهذه صفات جميلة تدل على مدى ما أنعم الله به عليك - والحمد لله - من حسن دين وخلق وتربية وبيئة حسنة, وهذا مما يستوجب منك الشكر والثبات على خصال الخير. وقد ورد في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن فاحشا ولا متفحشا, وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا)، وقال أيضا: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق, وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ولا شك أن لحسن الخلق آثارا حسنة على صاحبه وعلى الناس؛ ذلك لأن حسن الخلق يمن وسعادة وصاحبه قليل الأذى كثير الحياء, وأما سيء الخلق فهو شؤم وشقاء وهو من نفسه في عناء والناس منه في بلاء.
وعليه فلا ينبغي أن تزعجك أو تقلقك ردة فعل الأكثرين السيئة إذا كنت - بإذن الله - على هذه الخصال الرشيدة والحميدة؛ إذ المعيار والميزان المعتبر - حقا وصدقا - هو معيار وميزان الشرع, وأما مقاييس الناس فغالبا ما تكون متقلبة ومضطربة بل ومخالفة لمعيار الشرع الحنيف, ولذلك قال تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يعقلون) وفي آيات أخرى: لا يؤمنون, لا يعلمون, لا يشكرون، نسأل الله العافية والمغفرة، ومن جميل حكم الإمام الشافعي -رحمه الله-: (رضا الناس غاية لا تدرك, ورضا الله غاية لا تترك).
إلا أنه ينبغي عليك – أختي الفاضلة – التوازن في أخلاقك وفي كل أمورك؛ لأن (الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده) كما يقال في الحكمة المأثـورة، و(بين كل خلق فضيل وآخر رذيل شعرة), فكما بين الشجاعة والتهور شعرة, وبين الكرم والإسراف شعرة, فكذلك بين الحياء المشروع والخجل الممنوع شعرة، فلا بد من التفريق بينهما والتوسط والاعتدال, فلا ينبغي لحيائك أن يجاوز الحد فيدخل في دائرة الخجل، فالحياء: خلق إيجابي محمود يبعث على اجتناب القبيح أو التقصير في حقوق الآخرين، وأما الخجل - وهو الناتج عن سوء التربية في الصغر والشعور بالذل والضعف والنقص وانعدام الثقة بالنفس –: خلق سلبي غير محمود, وهو الخوف من الناس، والخوف من البوح بانفعالات طبيعية كالغضب والحب ونحوها، وقد يتحول أحيانا إلى الرهبة والخوف من الناس من غير مبرر حقيقي، ويجد صاحبه صعوبة في التكيف مع من حوله، ويميل إلى العزلة والانزواء والانطواء عن الناس، وقد يبتلى حين تجاوزه الحد بأمراض نفسية أو انفعالات عصبية, وبالتالي فطبيعي أن يواجه مشكلات مع الناس والحياة، وترتب عليه فوات مصالح وضياع حقوق كثيرة في دينه ودنياه، ويفرط في الواجبات ويـقع في المحظورات.
وبصدد الحل فإن الواجب - أولا - أن تعرضي نفسك بناء على هذا الفوارق المهمة حذرا من مخالفة مقتضيات الشرع والعقل والحس والفطرة والواقع، كما يجب – ثانيا –مغالبة نفسك وأطرها على الاعتدال وهو أمر ميسور -بإذن الله- كما قال تعالى: (ونهى النفس عن الهوى) وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله : (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم, ومن يتحر الخير يعطه, ومن يتوق الشر - أي يتخذ منه وقاية - يوقه) وحسنه الألباني. والمعنى: أن التطبع قد يغلب الطبع بالتعويد ومجاهدة النفس عليه، ولا يفوتنا – ثالثا وهو الأهم – أن أوصيك بالتزام خلق الصبر والحلم والشعور بالعزة والثقة بالله تعالى ثم بالنفس، والحذر من العزلة وضرورة التزام صحبة أهل الدين والأخلاق الحسنة المراعين لحقوق الصحبة والأخوة، والاستعانة بالتزام العبادة والذكر وقراءة القرآن والدعاء بالثبات والتوفيق والسداد.
والله الموفق والمستعان وبه الثقة وعليه التكلان, وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتـم السـلام والحمد لله رب العالمـين.