أحب كنز المال .. فكيف أكون كريمة؟

0 157

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة، أحب كنز المال لكي أشعر بالراحة والأمان، ولا أحب صرفه، ولا أعلم سبب حرصي على هذه الصفة؟ فأنا لست بخيلة! كما أحب استغلال الناس في شراء حاجاتي ودفع ثمنها، فأنا بخيلة على غيري، وإن تميزوا بلطفهم معي.

أتميز بتقلب المزاج، فتارة أكون بخيلة على نفسي، وتارة أخرى أكون مسرفة، فكيف أتخلص من صفة كنز المال وأكون مقتصدة؟

أتمنى أن أكون كريمة مع الغير، لكن لا أعرف كيف! فهي صفة صعبة، ولا أتميز بها، وكيف أعتمد على ذاتي دون أن أستغل الناس؟ أخشى ان أكون مسرفة، ولا أعرف الكرم، وأخشى أن أكون مقتصدة وأصل لحد البخل، ساعدوني بنصحكم.

مع الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسرين حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يصلح الحال، وأما الجواب على ما ذكرت:

أما مسألة كنز المال فله حالتان:

الأولى: كنز المال بمعنى جمعه وادخاره، مع الإنفاق منه على النفس وعلى من يجب النفقة، وإخراج الزكاة منه إذا بلغ النصاب، فهذا نوع من الادخار، وهذا جائز ومباح، وإذا كان المال كثيرا فالأولى إدخاله في مشاريع تجارية، حتى يستفيد الآخرون من المسلمين من تشغيله، ويزداد لصاحبه، فيزداد زكاة وصدقة فيكون له أجر أكبر.

الحالة الثانية: وهي الحالة التي جاء النهي في قوله تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"، [سورة التوبة اية ٣٤]، فالذي يمسك المال ولا ينفقه في طرق الخير الموصلة إلى الله، فيمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات, أو الأقارب, أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت، ولذلك جاء الوعيد بالعذاب الأليم، فهذا الكنز محرم، ومن خلال كلامك فإنك تقعين بين آونة وأخرى في الكنز المحرم الذي لا يجوز، ولذلك خذي بالنوع المباح من الكنز بمعنى الادخار مع الإنفاق في كل ما يجب، أو يستحب من النفقات.

وأما مسألة البخل، فخلاصة ما قيل في معناه: أنه منع نفقة المال فيما يجب إليه من النفقات، وحكمه محرم شرعا، بل هو كبيرة من الكبائر توعد الله صاحبها بالعقوبة والعذاب، كمن منع الزكاة الواجبة بخلا بالمال وحرصا عليه، قال ابن تيمية: (فإن البخل من الكبائر، وهو منع الواجبات: من الزكاة، وصلة الرحم، وقرى الضيف، وترك الإعطاء في النوائب، وترك الإنفاق في سبيل الله)، وقال ابن قدامة المقدسي: (وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل، فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين ما يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله -عز وجل- حيث يشاء).

وأما مسألة استغلال الآخرين الذي جاء في قولك: "أحب أن أستغل الناس ليقوموا هم بالشراء والدفع لي" في الحقيقة لم يظهر ما نوع الاستغلال؟ ولعلي فهمت أنهم يدفعون عنك إذا اشتريت شيئا، وعلى العموم هذا الاستغلال لا يجوز، وهذه صفة ذميمة، جاء النهي عنها في قوله -صلى الله عليه وسلم- :"إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"، رواه البخاري برقم5975، والشاهد في الحديث في قوله -عليه السلام-: "ومنعا وهات"، أي: يمنع ما يجب عليه إعطاؤه، ويطلب ما ليس له، ويحرص على ما في أيدي الناس، ولعل صفة الاستغلال هذه نشأت من البخل حتى وصل الأمر بالبخيل إلى حد البخل على ذاته، وجعل الآخرين ينفقون عليه، ولذلك عليك التوبة من هذا الفعل، ومحاولة إعادة من حصل منك استغلالهم، أو الإهداء لهم، والدعاء لهم في ظهر الغيب.

أما مسألة كيف تكونين كريمة؟ فحقيقة الكرم قال القاضي عياض فيه: "الكرم: الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم خطره ونفعه" فالكرم إذا إعطاء الآخرين بطيب نفس، ومن غير كراهة في النفس أو من.

وأما الوسائل المعينة للتخلق بصفة الكرم: فأنت بحاجة إلى قراءة الأدلة من القرآن والسنة الدالة على فضل الإنفاق والكرم، وعليك أن تعلمي أن الإنفاق فيه أجر عند الله، والله يخلف على المنفق خيرا مما أنفق، وعليك قراءة سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد كان أجود الناس، ثم إن الكرم صفة تحبينها من الآخرين، فعليك أن تأتي الناس ما تحبين أن يأتوا إليك، وعليك المحاولة المستمرة للتخلق بخلق الكرم، فهو خلق يمكن أن يكتسب مع التعود عليه.

وفقك الله لمرضاته.

مواد ذات صلة

الاستشارات