السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة صغيرة بالعمر, أبكي كثيرا دون سبب واضح، وأشعر بعدم الأمان دائما، أخاف من كل شيء، الماضي والحاضر والمستقبل، أشعر بأنني وحيدة، لا أصدقاء لي، وعائلتي مشتتة، والعنصرية تحيط بي في كل مكان، الكل ينبذني لأنني من أصول ليست عربية, وصديقاتي يضحكن علي دائما بسبب أصولي وشخصيتي المهزوزة, أنا فخورة بنسبي وجذوري وشكلي، ولكن كلام الناس يجعل الشخص يتمنى لو أنه لم يولد أبدا.
أحيانا أشعر بأنني مجنونة بسبب خيالي الواسع، كثيرا ما أتخيل وجود أصدقاء وعائلة تحبني وتساندني، أضحك معهم كثيرا لوحدي ولا أحد يعلم بماذا أفكر.
أخبرتني أمي بأنني في حاجة لزيارة طبيب نفسي، فأنا أبكي بشكل هستيري، وأتعرق، وأرتجف بقوة شديدة، وأكون في حالة غريبة جدا، كثيرا ما أشعر بفراغ داخلي مخيف, وبالفترة الأخيرة أصبحت كثيرة النسيان ومشتتة، كنت بالماضي معنفة، ولكنني حاولت معالجة المشكلة.
أحيانا أتمنى أن أعيش في حال سيء، وأحب رؤية نفسي معذبة ومريضة، ولا أتمنى لنفسي الأفضل أبدا، حاولت أن أحب نفسي وأتصالح معها ولم أستطع, أكره نفسي، وكثيرا ما أتخيل حياتي وهي سوداوية ومرعبة, أحب وضع نفسي في مواقف محرجة، ولا أعلم لماذا فقدت إحساسي وحبي لكل شيء، بخلاف السابق.
لا أهتم لما يقوله الناس عني، فأنا مستعدة تماما لفعل أي خطأ يدمرني ويفسد علاقاتي بالبشر، عندما أكون سعيدة أتذكر الناس الذين يعيشون في حال أسوأ منا، فأتمنى لنفسي الألم والتعاسة.
أشعر بأنني مميزة عن الجميع، وأنا أعلم ذلك، ومؤمنة بقدراتي، ولكن هناك شيء يمنعني من إظهاره والتعرف إليه, تائهة جدا، وأشعر بأنني في دوامة وفجوة كبيرة ولا أستطيع الخروج منها, ضائعة ووحيدة ويائسة، فقدت أعز الناس لي ولم أستطع تحمل الصدمة.
أمي تقول بأن الناس تستغلني لأنني لا أتكلم كثيرا، وخجولة، وطيبة القلب، وحساسة، ولا يجب على المرء أن يكون ضعيفا هكذا، أتمنى الاختفاء والهرب بعيدا عن كل ما يحصل لي، لا أعلم كيف أتعامل مع كل هذه المشاكل.
أعاني من الخمول والكسل والصداع، ولست قادرة على فعل شيء، ولن يساعدني أي أحد ولا حتى نفسي، إن كان حل الاستشارة هو الذهاب إلى الطبيب النفسي، فأنا لا أستطيع، أحتاج بعض النصائح حتى أتكيف مع حياتي ومشاكلي التي لا أستطيع تغييرها بطبيعة الحال.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رغد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا بما في نفسك، ومعذرة على التأخر بالجواب لأسباب متعددة.
أرى من خلال رسالتك أنك فتاة ذكية ومقتدرة، إلا أن الظروف من حولها قاسية ومحطمة للمعنويات، ولذلك فأنت في هذا الحال الذي وصلت إليه من السلبية وضعف الثقة بالنفس، وتمني الاختفاء من هذه الحياة، وربما هذا أيضا سبب الشعور بالوحدة، وكره النفس.
ومما لاحظته في سؤالك على الأقل ثلاثة عوامل يمكن أن تجعل أي فتاة مكانك تشعر بما تشعرين به الآن:
الأول: ما ذكرت من فقدان أعز الناس إليك، وكيف أن هذا أحدث صدمة عندك، وكنت أتمنى لو تحدثت لنا أكثر عن هذا الفقدان، هل هو بالوفاة أو السفر أو الانتقال أو غير هذا؟ وعلى كل حال، من الواضح أنه فقدان صادم أثر عليك كثيرا، ويفيد أن نذكر بأن أحداث الحياة الصادمة كثيرا ما تسبب اهتزازا وضعفا في شخصيتنا، ويمكن أن يستمر هذا حتى نتمكن من تجاوز هذه الصدمة.
الثاني: كونك من خلفية مختلفة غير ثقافة البلد الذي أنت فيه، فمع الأسف يمكن لبعض التمييز العرقي أو العنصري أن يحدث، وهذا أيضا يمكن أن يضعف ثقتنا في أنفسنا، وهذا يحتاج لبعض الوقت حتى تندمجي، ولحد ما في المجتمع الذي أنت فيه، ولا شك أن الخطأ هنا ليس منك، فأرجو أن تذكري نفسك بأنك لم ترتكبي أي خطأ.
ثالثا: أنه في بعض الأحيان نجد الذي هم أقرب الناس إلينا، والذين من المفروض أن يقفوا معنا ويدعموننا ويقدموا لنا التشجيع، قد نجد مواقفهم سلبية محبطة، وبحيث يقومون بعكس ما هو مطلوب منهم من التشجيع ورفع المعنويات.
لا أعتقد بأنك في حاجة لزيارة الطبيب النفسي، ولكن الأفضل في مثل حالتك أن تتكلمي مع الأخصائية النفسية في مدرستك، حيث يمكنها أن ترشدك لبعض المهارات التي تعينك على الخروج من هذا الحال، ويمكنها أيضا أن تقدم لك بعض المساعدة العملية، مما يعينك على الاندماج الأفضل مع بقية الطالبات في المدرسة، مما يمكن أن يعزز ثقتك في نفسك، وتقبلين على الحياة وأنت أكثر سعادة، ويعينك على إظهار القدرات والإمكانات التي عندك، والتي أشرت إليها في رسالتك.
ومما يعينك أيضا الحديث الهادئ والصريح مع والدتك، وخاصة إذا وجدت منها تفهما لوضعك العام، وظروف معيشتك في هذا المجتمع.
ومن الأمور الأساسية والهامة جدا، أن تعملي على تنمية مهاراتك وقدراتك المختلفة، والاهتمام بالهوايات والأنشطة التي تحبين، كالرياضة والفنون المختلفة، وغيرها، فهذا أولا يرفع من ثقتك في نفسك، وثانيا يجعل لك مكانا أفضل بين الطالبات من حولك.
أرجو أن يكون في هذا ما يفيد، و-إن شاء الله- نسمع أخبارك الطيبة.