كيفية التعامل مع الأخت المصابة بنوبات الصرع لقسوة أبيها عليها

0 346

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم.
تعجز الكلمات عن شكركم مهما تكلمنا، جزاكم الله كل الخير.

في الاستشارة رقم (230685) شرحت لكم عن معاملة أبي مع أمي فقط، والوضع الآن أحسن بقليل جدا بسبب أبي، وبصراحة: بسبب برودة إخوتي في تنفيذ الحلول المطروحة، وعدم تحملهم المسئولية كاملة في مشكلة أمي ومشكلة أختي أيضا.

المشكلة هي: أبي يعامل أختي بقسوة جدا، وأحيانا أحس أنه لا يعاملها كإنسان، تصور حتى الآن يضربها إذا أخطأت، ويوجه إليها الكلام القاسي الذي لا أحتمله أنا كشاب، مع العلم أن عمرها الآن 27 سنة، ويتدخل في الكبيرة والصغيرة، حتى في أمور الطبخ يتدخل، وممنوع عليها الدخول والخروج، وعليها تنفيذ كل القرارات، ويتمسخر عليها إذا تابعت أحد البرامج الدينية على التلفاز!

حتى جاءت الطامة الكبرى، وأصبحت أختي تقع في نوبات ما يسمى الصرع منذ 8 سنوات، كنت صغيرا وإخوتي الكبار لم يتداركوا الموضوع، ربما بسبب أبي وعدم استماعه لهم.

هي الآن في حالة صحية وسط، مداومة على تناول دواء وصفه الدكتور لها منذ 8 سنوات، ووصف لها الراحة التامة الجسدية والنفسية خاصة، وبالفعل نفذ أبي كل ما ذكرته لكم وأكثر، ذهبنا اليوم إلى المشفى لإجراء تخطيط دماغ، لقد بدا لي أن نفسيتها تعبت جدا جدا بسبب أنها وجدت نفسها هناك، وبسبب ما رأت، وبسبب نوعية الأسئلة التي وجهت إليها من قبل الدكتورة.

أحسست بها واحترق قلبي عليها وتذكرت أن أبي السبب، المهم: خرجنا وأردت أن أريحها قليلا بتغيير الجو، واقترحت عليها الذهاب إلى الجامعة بحجة رؤية علاماتي في الكلية، وما إن دخلنا الجامعة ورأت كيف يدخل الفتيات ويخرجن ويبنين أنفسهن للمستقبل حتى انفجرت بالبكاء! حاولت مساعدتها ولكن.. وعلى إثر ذلك قررت الكتابة لكم والدمعة على الخد بصراحة.

أعرف أن أول الحلول هو إخراجها وإبعادها عن هذا الجو المليء بالسلبية، ولكن الذي يكسر ظهرنا أنها مجبورة على العيش مع أبي؛ لأن أمي بحاجة للمساعدة كما شرحت لكم سابقا، وكلنا يعيش خارج البيت بسبب الدراسة والزواج على حد سواء.

والآن قولوا لي ماذا أفعل؟ مستعد لكل شيء مقابل نتيجة إيجابية حتى دراستي وحياتي! ساعدونا ساعدكم الله، وجزاكم الله كل الخير، مع الاعتذار على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

فإن الله تبارك وتعالى ربط رضاه بطاعة الوالدين، حتى قال ابن عباس: (لا يقبل الله طاعة من لا يطيع والديه. فقيل له: من أين؟ فقال: من كتاب الله؛ لأن القرآن إذا ذكر عبادة الله يقرنها بالإحسان للوالدين)، قال تعالى: (( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ))[النساء:36]، وقال تعالى: (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ))[الإسراء:23].

ومهما قصر الوالد أو كان قاسيا فإنه يظل والدا وطاعته مطلوبة إلا إذا أمر بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال تعالى: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))[لقمان:15]، ومن واجبنا أن نوزع اهتمامنا بين الأب والأم، فلا يجوز أن نبر أحدهما دون الآخر، وأرجو أن تشجعكم الوالدة أيضا على البر بالوالد، وكذلك العكس، وإذا كبر الوالدان فإنه يوجد بينهما ما يشبه الغيرة، فإذا شعر أحدهما أن الاهتمام به قليل فإنه يتأثر، وكل واحد منهما يريد أن يفوز ببر أولاده واهتمامهم، وهذا ما نرجو أن تنتبهوا له.

وربما كان السبب في قسوته على هذه الأخت هو تقصيرها في حقه وتركيز اهتمامها على الوالدة وحدها، وأرجو أن تشجع هذه الأخت على الصبر والتحمل وتبشرها بالأجر والثواب، فإن المسلمة إذا تذكرت لذة الثواب نسيت ما تجد من آلالام، كما أرجو عدم إشعارها بأنها مريضة ومسكينة، وأنها أقل من غيرها؛ لأن هذا يعمق عندها مشاعر الإحباط، بل ينبغي تذكيرها بأن المؤمن مصاب، وأن في الدنيا من هم أشد منها مرضا وألما، فإن الإنسان إذا شاهد وسمع بمصائب غيره هانت مشاكله.

والحقيقة: لا يخلو منزل من المشاكل لكن النجاح يكون بحصرها في إطارها الزماني والمكاني، فلا ننقل مشاكل المنزل إلى الخارج، ولا نأتي بمشاكل العمل إلى المنزل، ونتعاون في التخفيف على الضعيف، ولكن ليس على طريقة (مسكينة، ما تستاهل)، هذه الكلمات تؤثر أكثر من المشاكل نفسها، ولعلك لاحظت أن ذهابها للجامعة جعلها تشاهد جانبا واحدا فقط، وحزنت لأنها فاقدة لذلك الشيء، ولكن إذا فكرنا وتأملنا نجد أن كثيرا من الطالبات تخلف وراءها مشاكل عميقة، فربما كانت بعض الطالبات ليس لها أب؛ لأنه ميت أو طلق أمها، والسعيد هو الذي يشاهد والديه صباحا ومساءا، ويجتهد في نيل رضاهم وتحمل إذاهم.

والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات