لا أحب الخير للأقربين والأصدقاء وأحبه لغيرهم، هل هو حسد؟

0 242

السؤال

السلام عليكم

رفع الله قدركم، وأعلى شأنكم.

أنا بعمر 27 سنة، بفضل الله، أصوم وأصلي الصلوات الخمس، ولا أحب الخير للأقربين والأصدقاء، وأحبه لكل من هو ليس من أقربائي.

صرت أحب أن أكون أحسن منهم دنيويا وأخرويا، وفي بعض الأوقات لو حدث لأقربائي أو أصدقائي أي مشكلة أكون معهم وأساندهم وأساعدهم، ولكن أحس أن قلبي ي مرتاح لما حدث لهم!

هل هذا إحساس بالحمد والشكر لله الذي عافانا أو هو إحساس بالشماتة؟ وأنا أطلب من أقاربي بيانتهم لكي أساعدهم في السفر لرفع مستوى المعيشة، وفي نفس الوقت قلبي لا يتمنى ذلك، مع أني أسعى لهم في الخير!

ما سبب ذلك؟ وما العلاج؟ مع أني أندم على قساوة قلبي، وأنا أصلي وأساعد الفقراء وأصلي الفجر، وأحاول أن لا أعصي الله، ولكن قلبي لا يحب الخير لكل من هو مقرب مني، بل محب للخير لكل من هو غريب عني!

أفيدوني، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ hama حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا أخفي إعجابي بك – أخي العزيز حفظك الله– لاعترافك بمشكلتك وكراهيتك لها، وحرصك على التخلص منها، وهو دليل على حسن دينك وخلقك وتربيتك، كما هو بداية الحل والعلاج.

ما تشتكيه إنما هو ظاهرة في كثير من الناس، بل هو الأصل في ابن آدم، وهو المعروف بـ(آفة الحسد)، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما خلا جسد عن حسد غير أن اللئيم يبديه، والكريم يخفيه".

قد تظهر هذه الآفة أو الداء بين الأعداء بسبب العداوة والحقد، أو بين الأصحاب والأقارب بسبب حب التنافس والتعزز، أي طلب العزة، وهو أن لا يرى الحاسد من هو أرفع منه، وكذا العجب بالنفس وهو انتقاص الناس أو الغرور، وهو يظن أنه أفضل منهم، أو الكبر وهو انتقاصهم وازدراؤهم، أو حب الرئاسة وطلب الجاه والفخر وحب المدح.


الحسد: هو كراهية الخير للآخرين أو تمني زوال النعمة من الآخرين سواء لتعود إليه النعمة - وهو الغالب - أو ولو لم تعد إليه وهو الأسوأ.

لذلك كان حكمه التحريم؛ لقول الله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد)؛ لما له من أضرار سيئة، فهو أول معصية وقعت في الأرض، حيث منعت إبليس من السجود لآدم (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقتهم من طين)، كما دفعت قابيل إلى قتل أخيه هابيل (قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين)، وحملت إخوة يوسف على إلقائه في غيابة الجب (قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين)، فهو يقطع حبل المودة ويورث البغضاء ويوقع في الغيبة والنميمة ويمنع صاحبه من قبول الحق، ويحمله على الاستمرار في الباطل، ويؤدي إلى تخلخل وتفكك العلاقات والمجتمعات، بل قد يؤدي إلى العداوات والاقتتالات بين الشعوب -والعياذ بالله-.

أما بخصوص العلاج من داء الحسد، فإن الحسد لما كان صادرا عن خلل في الإيمان والأخلاق وصادرا عن التعلق بالدنيا ونسيان الآخرة، فإن التخلص من هذه الآفة، وسبيل علاجها يتعين بالآتي:

تنمية الإيمان بالله واليوم الآخر، والتعلق بالآخرة واستصغار الدنيا بالزهد فيها، (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) وعليه فلا وجه للمنافسة فيها عند العقلاء الذين ينافسون في المقاصد العلية لا الدنية. وفي الحديث: (إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفساها)، وذلك بطلب العلم النافع والإكثار من العمل الصالح، وذكر الله تعالى، وتدبر قراءة القرآن، ومجالسة أهل العلم والصلاح والخير.

قال تعالى : (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)، وقال سبحانه: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وصح في الحديث: (أنظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)، رواه أحمد ومسلم.

ليعلم الحاسد أن ضرر الحسد عليه في دينه ودنياه، حيث سخط قضاء الله وقدره وكره نعمته على عباده، وأن حسده لن يغير من قدر الله شيئا نفعا ولا ضرا، (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)؟ (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) وفي الحديث: (إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب) رواه أبو داود وصححه الألباني، وفي البخاري: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، بخلاف المحسود فإنه لا يتضرر بمجرد الحسد.

إن يحسدوني فإني غير لائمهم ** قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ** ومات أكثرهم غيظا بما يـجد.
اصـبـر عـلـى كيـد الـحــســود ** فــإن صــبـرك قــاتــلـه
كـالــنـار تـأكـل بـعـضـهـا ** إن لـم تـجــد مــا تــأكــلــه.

كذا على الحاسد أن يحتسب ثواب الصبر والقناعة والرضا بأمر الله والشكر لنعمه، ويعلم (أن الإمساك عن الشر صدقة،) وفي رواية: (فدع الناس من الشر، فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك) متفق عليهما.

تحقيق الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى وفي وصية النبي لابن عباس وفيها قوله: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) صحيح سنن الترمذي.

من العلاج العلاج العملي: بأن يتكلف الحاسد مدح المحسود، والتواضع له، وإظهار السرور بنعمة الله عليه، وهو قريب مما تفعله أنت بمساعدتهم عند وقوع المصيبة عليهم، قال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، ومن ذلك: الهدية إليه لحديث: (تهادوا تحابوا) والتبريك على ما يعجبك فيه كأن تقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، بارك الله، أو اللهم بارك فيه ولا تضره، منعا من وقوع العين.

الدعاء لأنفسنا بزكاتها وطهارتها من أمراض النفوس والقلوب نحو: (اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) وللمحسود بالخير والبركة.

أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياك من كل سوء ومكروه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يزكي نفوسنا ويطهر قلوبنا وينير عقولنا، ويعافي جوارحنا ويغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا، ويتولى أمرنا ويشرح صدرنا، ويرزقنا سعادة الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات