السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خير على هذا الموقع، حفظكم الله استشارتي موضوعها نفسي وطبي في نفس الوقت، وقد استشرت من قبلكم موقع وعدة أشخاص وكان جوابهم أنهم لا يملكون إجابة أو بعدم الاختصاص.
الموضوع: ماذا يفعل المؤمن عندما يشعر بالنقص في الرزق، أو الشكل الخارجي له، إذا كان قصير القامة مثلا، أو لديه مشكلة في أحد أعضاء جسده التي تعتبر مهمة لأنها تحدد شكل حياته مستقبلا، وهو قصر حجم القضيب وصغر حجم الخصيتين، ولم يكن لحالته في الطب علاج، وحاول أن يصبر ولكن الصبر لم يستفد منه أي شيء سوى أنه يتحسر على ما فاته وهو يرى غيره، ويستمتع بما أوتي من صحة أو من سلامة الأعضاء، هل الصبر والرضى بالقدر جزء من الأيمان، أم يكفي الاعتقاد بأن الله قدر الأقدار؟ وما الحكمة في وجود هذا العيب في جسم الأنسان؟ لأنها تسبب فقدان الثقة! ألم يقل الله سبحانه: (وصوركم فأحسن صوركم) فكيف أوفق بين الآية والنقص الذي في جسمي؟ وما هي الحكمة من خلق قضيب صغير؟!
وما هو الحل مع الوساوس التي تأتي الإنسان بخصوص شكله الخارجي، وكيف يتجاوزها وهو يعيش مقارنات مع غيره من الناس؟ وما هي الحكمة في النقص الذي أعاني منه في حين أن كثيرا من الناس لديهم أعضاء سليمة وكاملة؟!
لست متزوجا، وليس لدي عمل، ولا أقدر على العمل بسبب ظروف صعبة أعيشها، هل إذا قررت ترك الزواج مستقبلا بسبب الخوف أن يكونوا أبنائي مثلي جائز؟ لا أريد أن يعيشوا حياة كحياتي أبدا! وهل يعتبر هذا من السخط؟ خصوصا إذا كان الإنسان فقيرا ويخشى الفقر على عياله إذا أنجبهم أو أن تنتقل جيناته الناقصة منه إليهم؟
وغير المسلمين لماذا أشكالهم جميلة وأجسامهم أفضل، وحياتهم سعيدة، ومجتمعاتهم متقدمة، ونحن نعيش التخلف والفقر والمشاكل الصحية، ونعاني من النقص؟ ما الحكمة؟ أتمنى إجابة شافية من حضرتكم؛ لأني أعاني كثيرا في حياتي، وأشعر أنني أعيش في جحيم السخط! وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ومن سخط فله السخط؟! علما بأن القذف لدي طبيعي، ولدي شهوة، وحالتي الصحية جيدة، وقد تمت مرحلة البلوغ بتغير الصوت، ونمو الشعر في الجسم وغيرها، لا أعاني من أمراض مزمنة، ولا أتناول أي أدوية.
أعلم أنكم ستنصحونني بالذهاب لطبيب ولكن لا أملك المال لذلك، والعلاج التي تتكفل به الحكومة يجب أن يكون هناك حالة طارئة مثلا إصابة أو مرض مزمن، وحالتي لا يمكن للطب أن يعالجها لأنها عيوب خلقية، أتمنى منكم التوجيه.
أخيرا -جزاكم الله خيرا- هل يجوز أن أدعي بأن يغير الله خلقتي، أم هذا يعتبر من الاعتداء في الدعاء؟
علما أنه من المستحيل أن تتغير أحجام البشر بعد سن البلوغ.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- يظهر من خلال رسالتك – أخي العزيز – أنك على جانب طيب من الدين والخلق والإيمان, فأسأل الله تعالى أن يحفظك من كل سوء، ويرزقك الصبر على البلاء، والشكر على النعماء، والإيمان بالقدر، والرضا بالقضاء، وحسن الثواب يوم اللقاء والجزاء آمـين.
- وبخصوص أسئلتك: فإنه إذا كانت هذه الاستشكالات والوساوس – أخي العزيز – تهجم عليك بغير قصد منك ولا إرادة ولا اختيار, فإنك ولا شك معذور شرعا لا تؤاخذ عليها؛ لما تقرر في قواعد الفقه أن التكاليف مرهونة بالقدرة والاستطاعة, ولا تكليف بغير المقدور عليه لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقوله: (ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به) (فاتقوا الله ما استطعتم)، ولذلك فقد أجمع العلماء على أن من موانع التكفير أعذار الجهل والخطأ والنسيان والتأويل والإكراه (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وفي الحديث الحسن بمجموع طرقه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وقد ورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم).
- إلا أن الواجب عليك عدم الاسترسال مع هذه الوساوس كونها من خطوات الشيطان التي حرم الله اتباعها (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)، ولتستحضر قول الله تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) وأن تكره هذه الوساوس والخواطر الشيطانية، وتحرص على النفور منها والمدافعة لها، و بذلك تكون ليس فحسب معذورا, بل مثابا مأجورا؛ لما صح عند مسلم: (أن ناسا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءوا النبي فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم, قال: ذاك صريح الإيمان).
قال الإمام النووي ما معناه: أي إن استعظامكم الكلام به لشدة الخوف منه والنطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أوجدتموه, الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) وقال: (ذلك صريح الإيمان).
- وعليه فلا ينبغي لك أن تتهم نفسك ودينك, فإن من شأن هذه الوساوس أن تخالج أهل الصلاح أيضا (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون* وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، والمعنى: أن أهل التقوى مع هذه الوساوس مبصرون, بينما إخوان الشياطين معها منقادون مسترسلون، نسأل الله الثبات والعافية.
- أما بخصوص التسخط, فقد صح من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم, فمن رضي فله الرضا, ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وصححه الألباني.
- والتسخط القلبي ثلاثة أقسام, فمنه ما هو كفر وهو ما كان سببه الشك أو الاعتراض على حكمة الله وعـدله وقضائه وقدره، كما قال تعالى عن المنافقين: (يظنون بالله غير الحق)، ومنه ما هو محرم وهو الاغتياظ مما قدره الله عليه وإظهار الجزع باللسان كالدعاء بالويل والثبور، أو إظهاره بالجوارح كلطم خدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، مع الإيمان بالله وحكمته وعدله, (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين), ومنه مالا يؤاخذ عليه الإنسان وهو مجرد الوساوس والخواطر التي تخطر في البال، ولا تستقر في النفس، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) رواه البخاري ومسلم.
- وينبغي أن تعلم أن الإكرام للإنسان بالرزق والصحة والجمال ونحوه ليس دليل محبة الله للعبد, كما أن الحرمان منها ليس دليل كراهية الله للعبد, إذ كل من الإكرام والحرمان ابتلاء من الله للإنسان كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، وقال سبحانه: (وبلوناهم بالسيئات والحسنات لعلهم يرجعون) بل إن من استدراج الله تعالى للكفار وإملائه لعقوبتهم أنهم كلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم نعمة كما في قوله: (والذين كفروا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين)، ومن البليغ في ذلك قوله جل ثناؤه: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، وقال جل شأنه مصححا هذا الظن الخاطئ عند الناس: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرما * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا)، وذلك لحقارة الدنيا عند الله تعالى, كما قال صلى الله عليه وسلم : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء) ولذلك فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب, ولا يعطي الآخرة إلا من يحب. وقد صح في الحديث: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه).
- الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى أحد أركان الإيمان التي لا يصح الإيمان إلا بها, ومعلوم أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان – القلب – وعمل بالجوارح كما هو مذهب أهل السنة والجماعة, وبالتالي فإن الصبر على البلاء في الرزق أو الجمال أو قصر القامة وحجم العضو وعدم الإنجاب ونحوه يكون بالشكر باللسان وبالقلب وبالجوارح.
- وأما الحكمة من ابتلاء الكافرين فيكون لحكمة العقوبة لهم واعتبار المسلمين بهم كما في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
- وأما الحكمة من ابتلاء المؤمنين فإنه يكون كفارة لخطايا المؤمنين كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه, وصح عنه قوله: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه البخاري، وصح عنه قوله ما معناه: (تكون المنزلة للعبد يوم القيامة فلا يستطيع أن يبلغ بعمله, فما يزال البلاء به حتى يبلغها).
- كما أن مما يعينك على الصبر على البلاء استحضار ما من الله عليك من عظيم النعماء, فمن غير اللائق – أخي الحبيب – أن تقارن نفسك بمن هم أفضل منك إلا فيما كان من الأمور الاختيارية كحسن الدين والخلق والعلم لتحرص على السعي إلى الكمال فيها ما أمكن
ولم أر في عيوب الناس عيبا ** كنقص القادرين على الكمال.
وأما الأمور الاضطرارية كالعيوب البدنية, فاجتهد في التداوي منها لحديث: (تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء) وليس لك يد فيما لا طاقة لك به, ولا تقارن نفسك بمن هو أكمل منك فيها, وقد صح في الحديث قوله: (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق – أي في الصورة – فلينظر إلى من هو أسفل منه فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم، فإن كنت مقارنا فقارن نفسك بمن ابتلي بالأمراض الأكثر خطورة واستعصاء كالمبتلين بالعمى والسرطان والشلل الكلي والجنون نسأل الله العافية فإنك ولا شك ستحمد الله على نعمة العافية, وسترى أنك مغمور بنعم الله العظيمة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)، وسترى أن مجرد قلة الرزق والجمال والطول وقصر العضو مع ما حباك الله من نعم الدين والبصر والعافية ليس إلا مجرد بلاء يسير بجانب فضله الكبير سبحانه وتعالى.
- وأما قوله تعالى: (وصوركم فأحسن صوركم) فهو على الأصل في تفضيل خلق الإنسان على غيره من الحيوان (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) عليه, فإن الواجب عليك الصبر على هذا البلاء, والثبات على أمر الله ودينه, والرضا بالقضاء مع حسن الظن بالله، والثقة بالنفس وصدق الالتجاء إلى رب الأرض والسماء بخالص الدعاء؛ فهو القائل سبحانه: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقل كما قال نبي الله أيوب عليه السلام: (رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب)، (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، وأبشر بالفرج القريب من الله تعالى السميع المجيب سبحانه.
- عدم الاعتبار لهذه الوساوس، وضرورة الاعتقاد بأن مصدرها وموردها الشيطان الرجيم الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإكثار من ذكر الله تعالى لا سيما أذكار الصباح والمساء وأعمال اليوم والليلة، وقراءة القرآن لا سيما سورة البقرة وسور الإخلاص والمعوذتين (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
- تنمية الإيمان بطلب العلم النافع والعمل الصالح، وقراءة الكتب الإيمانية والعلمية والوعظية، واستماع الخطب والمحاضرات والبرامج العلمية النافعة والمفيدة، ولزوم الصحبة الطيبة (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، وقال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)، (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
- كما أوصيك بمراجعة أهل العلم المختصين (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وقاعدة الراسخين في العلم رد الفروع والجزئيات إلى الأصول والكليات, ورد المتشابهات إلى المحكمات (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)، وإذا لزم الأمر فمن المستحسن ما أمكن استشارة الطبيب النفسي؛ مع الاهتمام بمزاولة الرياضة البدنية والترويح عن النفس.
- أسأل الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويربط على قلبك، ويثبتك على دينك، ويصرف عنك وساوس النفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان الرجيم، ويعافيك ويعفو عنك إنه سميع عليم.