السؤال
السلام عليكم
أنا شاب أرسلت لكم استشارات سابقة 2186853، 2189208، لقد اجتهدت في البحث عن أخ ثقة، يفهم ويقدر الأمور، واعتقدت أنني بهذا قد وضعت الأمور في نصابها، وقد أكون تجنبت فكرة سوء الفهم، إلى أن أقترب من نهاية الأشغال المتفق عليها، بدون خلاف أو مشاكل تذكر.
علما بأني كنت قد أعطيه المال مسبقا، وكان يشدد علي على الحساب ويقول: "الحساب شرع"، ولما شرعنا في التقيم والحساب وانتهينا، ولم يبق له إلا قيمة قليلة جدا، فتسامحنا على أساس أن يتم هو ما تبقى من أشغال، وأنا أتم تلك القيمة القليلة قبل البدأ في المرحلة الثانية.
بعد رجوعي من السفر، انتابتني شكوك في الحساب، وفعلا تأكدت أن هناك خللا واضحا في كيفية الحساب من طرفه -ناهيك على كيفية الاحتساب والأثمان والأسعار التي يتخذها لا تمت إلى منطق أو شرع-، وبالتالي هناك نتيجة حساب غير الذي تحصلنا عليها مع بعضنا البعض، وهذا الفرق معتبر وفي صالحي.
لما نبهته في الغد وهو يعمل ما تبقى، غضب أشد الغضب، وأخذا كل لوازم عمله بدون معرفتي، وأغلق هاتفه لعدة أيام، ولم يسمح لي بمكالمته، وبعد توضيح الخطأ الحاصل في قراءة الأرقام، كانت مناقشته لي بحكمة ولين ولطف، ولأنه استاء لأنني كررت له الحساب مرة أخرى، فقلت له: لا يمكن إخفاء هذه الأخطاء الواضحة، أنأكل أموالنا بالباطل ونحن نعلم؟
إلى الآن لم يباشر عمله، وقال لي: أصبح ذلك المكان غير مرغوب فيه، وأنا بدوري وبعد الانتظار والتريث ثقلت عني مواجهته ومناقشته رغم قدرتي على التوضيح له، فمخالطتي وتعاملي مع هذه الفئات الحرفية المختلفة التخصصات علمتني دروسا مهمة ومختلفة، والكل يشتكي بطريقة أو بأخرى.
إعطاء أي فرصة لمثل هؤلاء عار، وتشجيع لهم لممارسات الغش والخداع والتحايل، وأكل أموال الناس، الآن أنا في حاجة لإتمام ما تبقى، ونفسيتي تلومني، فما رأيكم؟
مع الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
- يقول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، وقال سبحانه: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، وفي الحديث: (أد الأمانة إلى من ائتمنك, ولا تخن من خانك)، رواه أبو داود وهو حسن. الأمانة ضرورة للمجتمعات الإنسانية ولا فرق فيها بين صغير وكبير، وهي رأس مال الإنسان وسر نجاحهم وسعادتهم، وهي من الأخلاق الفاضلة والنادرة في هذه الأزمنة قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، رواه البخاري, وقال أيضا: (لا إيمان لمن لا أمانة له, ولا دين لمن لا عهد له)، رواه أحمد وإسناده جيد، ومن آيات المنافق (وإذا أؤتمن خان) متفق عليه.
- لا تقتصر الأمانة على أداء الودائع, بل تشمل حفظ الحقوق كلها ومنها أمانات أصحاب المهن والحرف في أداء أعمالهم، وأمانة أموالهم على الوجه الشرعي، وحسب الشروط المتفق عليها بين أطراف العمل, ومن المؤسف فعلا ضعف الأمانة عند كثير من الحرفيين لضعف تدينهم وأخلاقهم, وهذا ما يغلب على طبيعة أهل السوق كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أحب البلاد إلى الله مساجدها, وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) رواه مسلم, وذلك لكثرة المنكرات والمخالفات الشرعية كالغش والسب ونحوهما, ولذلك فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (التجار هم الفجار إلا من قال هاء وهاء)، وقال أيضا: (فإذا صدق البيعان وبين بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما)، متفق عليه.
مثل هذا الغش والخيانة يكثر بين الشركاء في التجارة والأعمال كما قال تعالى: (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)، ومن هنا فإن الواجب التعامل في القضايا المالية والتجارية بأمانة وصدق، كما في النصوص السابقة, والتعامل أيضا بحذر وحكمة وحنكة منعا من إقرار وتمكين أهل الغش والخديعة على غشهم وخديعتهم, ومن إيقاعهم في الإثم أيضا بهذا الإقرار والسكوت, وكذا حذرا من الوقوع في مكر أهل السوء وخديعتهم, وقد صح أن رجلا اشتكى إلى رسول الله أنه يخدع في البيوع, فقال له -صلى الله عليه وسلم-: إذا بايعت فقل : لا خلابة)، رواه البخاري ومسلم, أي لا نقص، أي أن يقول لمن تتعاقد معك: إن كنت أبيع فلا نقص في الثمن, وإن كنت أشتري فلا نقص في السعر, فأجاز له استرجاع الثمن, وهو يشمل كل من اشترط ذلك على الراجح.
- أما بخصوص استمرارك مع الرجل, فالذي أنصحك به هو أن تتفاهم معه بهدوء ما أمكن, ويمكن الاستفادة ممن له حق الإقناع له والتأثير عليه، والحياء منه من فضلاء الناس, فإن أبى فيمكن أن تتفق معه على الاحتكام إلى من تثقان به من أهل العلم والخبرة في القضية, فإن رفض أيضا فلا بأس من الاستمرار معه شريطة أن تكون مضطرا إلى التعامل معه، بحيث لا يمكنك الاستغناء عنه ولا بديل لك سواه, وشريطة إمكان أخذ الحيطة والحذر في وقوعك في أخطاء مالية وعملية, وذلك باشتراط توفر محاسبين إذا لزم الأمر.
- أنصحك بالاستخارة لله تعالى, والاستشارة لأهل الاختصاص من أهل الأمانة والكفاءة, (فما خاب من استخار, ولا ندم من استشار).
- لزوم عبادات الصبر على البلاء, والشكر لله على النعماء, والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء, مع بذل الأسباب المؤدية إلى المصالح المطلوبة (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) رواه مسلم.
- اللجوء إلى الله بكثرة الذكر والعمل الصالح، فهو من شأنه أن يعينك على التوفيق وراحة البال والطمأنينة كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، (ومن يؤمن بالله يهد قلبه).
- أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والهدى والخير، ويلهمك الرشاد والصواب, وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وقراءة القرآن وجعله خالصا لوجهه الكريم.