السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وفي جهودكم
لدي مشكلة في حياتي الزوجية وضقت ذرعا، ولم أعد أجد لها حلا، زوجتي مريضة بالوسواس القهري، مرضت بعد زواجنا بحوالي سنة ونصف تحديدا بعد أن أنجبت طفلتي الأولى والوحيدة، تزوجنا منذ أكثر من خمس سنوات، لا أريد أن أطيل عليكم في السرد، لكن حياتي في أول سنتين من مرضها كانت جحيما بدون مبالغة، كنت أعمل ليل نهار وأهتم بالطفلة وبها، ولم يكن أحد من أهلها على علم بمرضها إلا أمها، حتى أهلي لم يكونوا يعرفون.
لما ضاقت بي السبل أخبرت والدتي، وتعاونت على قدر ما تستطيع معنا، ووالدتي شخصيتها قوية، وقوية الملاحظة، وبالتالي كانت هناك صدامات بينها وبين زوجتي كما تعلمون طبيعة هذه العلاقات، لم نخبر أباها؛ لأنه مصدر تعب دائم منذ أن تقدمت لخطبتها حتى تزوجتها، وهو رجل طاعن في السن وضيق الصدر.
المهم مرت السنين بمشاكلها وضغطها العصبي، وكانت تتحسن بشكل جيد؛ لأننا طبعا عرضناها على عدد من الأطباء بعد مرضها بفترة وأخذت العلاج وكل شيء، ولكنها لم تتمكن من تخطي الحاجز الوهمي للوسواس بسهولة وتتراجع، أوقات تتحسن قليلا، وأوقات أخرى لا، وهكذا، وأنا فعلا اختصرت معاناتي في كلمتين: "أني لم أعد أطيق الحياة".
أنا مشفق على زوجتي؛ لأنها مريضة، لكن الموضوع الآن صار لا يطاق، ولم أعد قادرا على إكمال حياتي معها، لماذا؟! لسببين رئيسيين:
الأول: أنه من كثرة الضغوط أخبرنا والدها وإخوتها بمرضها، وبما أعانيه لم يهتم أبوها، ولم يكترث فهو كثير المشاكل، ولا يهتم لأحد وما كان منه إلا أن سألني لماذا لم تتركها لنا في البيت طالما أتعبتك؟! -الله المستعان -! يضايق حماتي، وكذلك زوجتي، ولا يتق الله فيهما، وبدلا من أن يداوي جرح ابنته أو يواسينا يطلب منها أن تطلق مني، ويزوجها بآخر، وكأنني سبب مرضها، برغم أني أحسن لها وأتحملها بشهادة جميع من حولها وشهادتها هي نفسها، يعرف مرضها، ولا يسأل عليها ولا يطمئن برغم أننا مغتربون، كأنه يعاقبها على اختيارها لي، أو أنها ليست ابنته فعلا! أبوها سبب من أسباب مرضها كما أخبرها الطبيب وراثيا؛ وكذلك لأنه وضعها في ضغط عصبي شديد يوم أن كانت نفساء، وكان هذا هو السبب الأوضح لانفجار المرض.
السبب الثاني: أن زوجتي تغيرت كثيرا بعد أن كانت شخصية رقيقة هادئة لا ترد الكلام، ولا ترفع عينها، صارت تتطاول علي وتسبني أحيانا، وأحيانا تسب أهلي خاصة في مواطن الوسواس، وأحيانا في مشاكل عادية، وأنا من شدة الضيق أحيانا أبادلها السب وأشعر أني سأضربها، لكني لم أتطاول عليها بيدي ضربا حتى الآن؛ لأني لا أريد أن أفعل هذا، وأكتم غيظي، وهو كالبركان، أحيانا أشعر أني سأخرج من ديني من شدة البلاء، وأن غضبي سيأكل الأخضر واليابس.
أنا متعب من هذا الأمر، أريد أن أطلقها، ولكن لا أريد أن أظلمها؛ لأنها بعد كل مشكلة تأتي وتعتذر لي وتبكي بشكل مرير، وتقسم أنها لن تفعل هذا مرة أخرى، وتقول لي أن الوسواس غيرها تماما، وأحيانا أمها تكلمني، وهي سيدة طيبة جدا، لكنها للأسف لا تملك الخبرة الكافية لمداواة هذه المشكلة.
طبعا أبوها يمنع أمها أن تتحدث معي، أمها تسترق الكلام بدون علم أبوها لتطمئن علينا، تخيل أن هذا الرجل يمنع أمها من أن تكلمها في الهاتف، ونحن في بلد غريب مغتربون، وزوجتي تحتاج لمن يتحدث معها، وأن لا تجلس طويلا وحدها، عرضت عليها أن أتزوج بأخرى، أخبرتني أنها ستنفصل في الحال إذا فعلت هذا، وصارت تراودها أحلام سيئة لمدة طويلة بأني تزوجت، وحالتها النفسية حساسة لأي تغيير يطرأ عليها، وأنا في كل هذا أعاني، ماذا أفعل؟
لا أريد أن أقنط ولا أريد أن أتصرف بشكل انفعالي، فأندم على هذه الخطوة، لكني أوشكت على الانهيار، ولك أن تتخيل تأثير كل هذه الأمور على ابنتي ذات الأربع سنوات ونصف.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أخي الكريم في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
إن ما أصابك من البلاء مكتوب ومقدر عليك من قبل أن يخلقك الله تعالى وجميع ما يدور في هذا الكون إنما يسير وفق قضاء الله وقدره كما قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
الابتلاء يكون بحسب قوة إيمان الإنسان، ولذلك كان ابتلاء الأنبياء أشد من غيرهم فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء؟، فقال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة).
الابتلاء عنوان محبة الله تعالى للعبد يعظم له به الأجر يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضى بقضاء الله وقدره واصبر فإن العاقبة ستكون حسنة بإذن الله تعالى.
أكثر من التوبة والاستغفار فإن من أسباب نزول البلاء الذنوب والتكاسل أو الغفلة عن التوبة منها، ففي الأثر ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
اطلب الإعانة من الله تعالى ولا تنتظرها من المخلوق، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس بذلك فقال: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، ونحن نردد في كل ركعة في سورة الفاتحة: (إياك نعبد وإياك نستعين).
اطلب الشفاء من الله واعمل بالأسباب المشروعة، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، وعلاج الوسواس القهري بواسطة العقاقير والتوجيه السلوكي مفيد بإذن الله تعالى، وقد تعافى من ذلك خلق كثير، ولكنه يحتاج إلى الاستمرار، مع متابعة الطبيب أولا بأول، وعدم قطع استعمال العلاج إلا بأمر الطبيب.
عليك أن توجه زوجتك إلى عدم التعاطي مع الوسواس، وألا تصغي لتلك الخواطر التي يوردها عليها، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فور ورود تلك الوساوس.
كن رحيما بزوجتك فتصرفاتها لا إرادية، وأنت تدرك ذلك، ولقد رأيت كيف تتذلل بين يديك نادمة عن تصرفاتها، وإنني أقدر وأحس بالمعاناة التي تعانيها جراء مرضها.
لكي يزول همك أكثر من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث الصحيح: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
زواجك من امرأة ثانية مشروع، ولكنه لن يكون حلا، بل ستزداد معاناتك، وستكثر مشاكلك، ولا أنصحك بمفارقة زوجتك، فإن ابنتك ستكون هي الضحية الكبرى.
قد تكره شيئا، وفيه خير لك كإمساك زوجتك والصبر عليها، وقد تحب شيئا وفيه شر عظيم كمفارقتها والزواج بأخرى يقول تعالى: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
قد تكره صفة في زوجتك، ويجعل الله من وراء ذلك خيرا كثيرا يقول تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ۚفإن كرهتموهن فعسىٰ أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).
لا تغفل عن الدعاء فتضرع به بين يدي الله تعالى، وأنت ساجد وتحين أوقات الإجابة، وسل الله تعالى أن يشفي زوجتك ويعافيها فهو الشافي والمعافي، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
أكثر من دعاء ذي النون؛ فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويشفي زوجتك، وينعم عليك بسعادة لا تنقطع.