كيف أخلص النية لله في حفظ القران وأبتعد عن الرياء؟

0 336

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة كنت أحفظ القران في مدرستي، وكانت أستاذة المصلى تسمع لي مع بعض الطالبات، وكنت أريد حفظ سورة البقرة منذ زمن فحفظتها -ولله الحمد-، فاقترحت إحدى الطالبات تسميع سورة آل عمران في الإجازة، فوافقت على ذلك، وسجلت اسمي معهم، وقلت لهم سوف أفكر في الموضوع، واستخرت لله، وحفظت تقريبا ثلاثة أرباع السورة.

لكنني لا أشعر بالحماس في الحفظ والتسميع، وأشعر أنني أحفظ لكي أسمع للفتاة التي تسمع لي، لكي لا تقول لي: لماذا لم تحفظي؟ أو ترسل لي رسالة تسألني عن الحفظ، وفي كل مرة أشجع نفسي للحفظ، فهل أترك الحفظ، وهل يعتبر حفظي رياء، وكيف أخلص النية لله في الحفظ؟

أفيدوني، مع الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الجوهرة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بارك الله فيك -أختي الفاضلة- ويسر أمرك، وأعانك على طلب العلم النافع، والعمل الصالح، وحفظ كتابه الكريم، ورزقنا وإياك الإخلاص والإيمان، ومحاسن الأخلاق والقبول والتوفيق.

اعلمي حفظك الله أن مجرد رسالتك وسؤالك -مشكورة مأجورة-، وخوفك من الرياء دليل على حسن دينك وإخلاصك, واتباعك للسلف الصالح -رضي الله عنهم- الذين كانوا كما قال تعالى عنهم: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)، وكما فسرها -صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقال: (هو الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو يخاف أن لا يتقبل منه)، رواه الترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني، وقال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخشى على نفسه النفاق)، رواه البخاري، وقال الحسن البصري عن النفاق: "ما أمنه إلا منافق ولا خافه إلا مؤمن".

إلا أنه كما يجب عليك الخوف من الرياء أن تخافي أيضا من ترك العمل الصالح, ومنه حفظ القرآن الكريم بذريعة خشية الرياء, لأن كل ذلك سلبية ومخالفة شرعية)، فقد ورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله قوله: "ترك العمل من أجل الناس رياء, والعمل من أجل الناس شرك , والإخلاص أن يعافيك الله منهما" وهو من وساوس الشيطان الرجيم (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)، ولا يخفى عليك أن للشيطان طرقه الخفية، والكثيرة لصد الإنسان عن الطاعة والإيمان -عافانا الله وإياك-، فليس من الإخلاص لله تعالى ترك العمل خشية الرياء وإلا لتعطلت كل الأعمال الصالحة تحت هذه الذريعة الشيطانية, فمن ذا الذي يزكي نفسه ويضمن أو يأمن على نفسه من الرياء؟ ولكن الواجب فعل العمل الصالح ومجاهدة النفس على ترك الرياء (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى).

كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل) رواه البخاري, وقيل في معناه: أنهم يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة، ومثلهم الذين يتركون المعاصي خوفا من الناس فما يلبث حتى يتمكن حب الله تعالى والطاعة، وكراهية الإثم والمعصية من قلوبهم, فيحصل لهم الإخلاص وقبول الأعمال، حيث تؤثر فيه زواجر ومواعظ النصوص القرآنية والنبوية، ومدارسة العلم ومجالسة الصالحين, وفي الحديث: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) رواه البخاري، ومن طبيعة الأعمال الجماعية كالصلاة والجهاد وطلب العلم أن يختلط فيه الحياء والحماس والتنافس على الخير، مما لا يمنع العاقل عن العمل بل يزيده ويذكيه.

وقد صح عن غير واحد من السلف: "طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون له", ولهم في ذلك ألفاظ ومعان لطيفة, منها ما روي عن علي قوله: تعلموا العلم صغارا تنتفعوا به كبارا, تعلموا العلم لغير الله يصر لذات الله, وقال يحيى بن يمان: ما سمعت الثوري يعيب العلم قط ولا من يطلبه, فيقال له: ليست لهم نية، فيقول : طلبهم للعلم نية، وورد عن حبيب بن أبي ثابت ومعمر البصري أنهما قالا طلبنا الحديث وما لنا فيه نية, ثم رزقنا الله النية بعد, وقال معمر كان يقال الرجل ليطلب العلم لغير الله, فيأبى عليه العلم حتى يكون لله, وقال سيماك ابن حرب : طلبنا هذا الأمر -أي الحديث- ونحن لا نريد الله به، فلما بلغت منه حاجتي دلني على ما ينفعني وحجزني عما يضرني, وورد عن الحسن البصري والثوري قالا: طلبنا العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة, وقال سفيان بن عيينة: طلبنا الحديث لغير الله فأعقبنا الله -أي أورثنا- ما ترون, وقال ابن مبارك: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.

فاحرصي -حفظك الله ووفقك- على الإخلاص لله في حفظك للقران طلبا للثواب، ورفعا الدرجات في الآخرة, ومجاهدة النفس على ترك الرياء وكراهيته ومدافعته إذا عرض عليك, وأحسني الظن بالله تعالى ثم بنفسك, وكفى بذلك إخلاصا وإصلاحا وإحسانا واعلمي بأن الله سيوفقك ويعينك, وقد قال سبحانه: (إن الله لا يضيع أجر المصلحين )، (إن الله لا يضيع أجر المحسنين).

وأوصيك -أختي الفاضلة- بما أوصى به الرسول أصحابه حين خطبهم ذات يوم فقال: (يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل, فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه)، رواه الترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة؛ فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, وارزقنا حسن الظن بك وصالح العمل وقبوله يا أرحم الراحمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات