كرهت نفسي بسبب النظر إلى ما في أيدي الناس

0 255

السؤال

السلام عليكم.

لدي صفة لا أعرف ماذا أسميها؟ وهي أني إذا شاهدت أحد الأشخاص يتكلم عن رحلاته السياحية، أو راتبه الشهري، أو الأماكن التي زارها، والملابس التي اشتراها بمبلغ كذا، أو طفل فائق الجمال، أو شخص يمتلك شيئا جميلا ومميزا، ولا يوجد لدي هذا الشيء أظل أتأمله، وأقول في قلبي -ما شاء الله- وأتمنى أن أحصل عليه يوما ما، ولكن لا أتمنى زواله من الشخص والله يشهد علي.

وأظل أسألهم عن رحلاتهم، وكم كلفت، وهم يفكرون بأني حاسدة، وبعدها يتغيرون معي ويحسبون لكل كلمة عندما يحكون معي أو عندما يروني، ولكن عندما يروني أنظر إلى أشيائهم أو أي شيء جميل بهم يخافون ويقولون أنت حسودة، والكل يتداول بأني حسودة ويحكون عني عند الناس الجدد في عائلتنا، وهذا الشيء يزعجني كثيرا، والكل يتحاشى إخباري عن رحلاتهم السياحية، أو أي شيء مميز في حياتهم، وحتى لو لم يخبروني عندما أرى شيئا عليهم جميلا يخافون ويخبؤونه ولا يظهرون لي شيئا، فقط ينتظرون متى يرحلون عني، أشعر بأني كرهت نفسي.

كيف لي أن أتغير وأنظر إلى الأشياء التي أتمناها بنظرة عادية وليست نظرة المتأمل بأن يحصل عليه؟ وكيف أزيل هذه الصفة من شخصيتي حيث إنها تحرجني أمام الناس.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من الواضح من خلال قراءتي لسؤالك أنك تفرقين بين الحسد المذموم والغبطة التي لا بأس بها، بل والمطلوبة في بعض الأحيان، فلقد عرف الحسد الطاهر بن عاشور فقال: (الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد).

وقال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد: "أصل الحسد: هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها".

فالحسد مرض خطير وآفة تصيب القلب، فتنعكس على صاحبها ضيقا في الصدر، وهما وغما، فلا يذوق لذة الرضا والسعادة؛ لأنه مشغول بمراقبة الآخرين وما عندهم وما لديهم، متناسيا ما أغدق الله عليه من النعم التي لو شغل نفسه باستثمارها لأبدع وتميز.

وعلى هذا فالمؤمن الصادق المخلص يحرص أن يكون قلبه سليما خاليا من هذه الأمراض، لحرصه على القرب من الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء: 88، 89]، والقلب هو محل نظر الله تعالى إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (رواه مسلم).

وثمة حسد محمود ذكره نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف: قال النبي صلى االله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه االله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار ورجل أتاه االله مالا فهو ينفقه أناء الليل وأناء النهار" (رواه البخاري)، وهذا ما سماه العلماء ب "الغبطة".

فالغبطة هي تمني حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما، ولا غبطة أعظم وأفضل من الغبطة في هذين الأمرين، فهي تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر دون أن يزول عنه.

وأنت ـ أيتها الأخت الفاضلة ـ كما ذكرت برسالتك عندما تنظرين إلى شيء ما عند الآخرين، وتتمنين الحصول على مثله، تذكرين اسم الله عليه، ولا تتمنين زواله عن صاحبه، وهذا دليل بإذن الله أن قلبك معاف من الحسد، وما لديك هو نوع من الغبطة المباحة، ولكن تأملك للأشياء في يد أصحابها، وإطالة النظر بها ربما دون أن تنتبهي على نفسك جعل الناس يظنون أنك حاسدة لما لديهم متمنية زوال النعمة عنهم.

أما سؤالك: كيف لي أن أتغير وأنظر إلى أشياء أتمناها لي بنظرة عادية، وليست نظرة المتأمل بأن يحصل عليه، وكيف أزيل هذه الصفة من شخصيتي حيث أنها تحرجني أمام الناس؟

فأنصحك بأربعة أشياء وهي ما يلي:
1- الرضا والقناعة والتسليم بما قسمه الله لك، واشتغلي في تأمل النعم التي أنت فيها من خلال التأمل في حال من هم أقل منك، حينها ستدركين قيمة ما أنت فيه من النعم، وتشكرين الله على ما أنعم به عليك.

2- احرصي دائما أن تشغلي تفكيرك بأشياء جوهرية، وأهداف سامية نبيلة عالية، عند ذلك سينشغل عقلك وتفكيرك في تحقيقها، ولا يبقى لديك متسع من الوقت لتلاحظي حال الآخرين وما هم عليه، حيث إن تفكيرك مشغول بما هو أعلى وأسمى.

3- اجعلي لنفسك وقتا محددا يوميا لعبادة التفكر، اجلسي مع نفسك، وتأملي نعم الله عليك، وتأملي في هذا الكون، وما سخر الله لك من الملكوت ليسعدك في الحياة الدنيا، ثم تأملي في حالك وأنت تعرضين عن هذه النعم، وتلك السعادة، وترهقين نفسك وتحزنينها في مراقبة ما لدى الآخرين.

4- التزمي الدعاء بأن يطهر الله قلبك من الحسد، ومن كل داء وألحي وتحري ساعات الإجابة، وأكثري من ذكر الله، تحميد .. تسبيح ... استغفار ... وعلى الأخص قراءة المعوذتين كل يوم فإنهما خير علاج لك وعليك.

كل ذلك سينعكس على قلبك رضا، وعلى نفسك سكينة، وعلى لسانك شكرا، وسيلاحظ الآخرون ذلك على تصرفاتك، وبهذا سيمحون من أذهانهم تلك الصورة التي رسموها عنك سابقا.

أسأل الله أن يرزقك قلبا راضيا، ولسانا ذاكرا، اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات