فتاة تشكو التفكك الأسري

0 695

السؤال

السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركاته.

فلدي الكثير والكثير الذي أود أن أطلعكم عليه، أمور قد أثقلت كاهلي وأتعبتني نفسيا، عشتها منذ سنوات ولكنني كنت أحاول تجاهلها وهي المعارك النفسية القوية بيني وبين إخوتي الذكور، بشكل أصح أشعر بأنهم يمقتونني، يكرهونني، يودون لو أنني ميتة ولست موجودة على ظاهر هذه الأرض، والأشد من هذا كله قلة وعي والدي في كيفية تصحيح السلوكيات الخطأ التي تقع.
أبي لا يستطيع السيطرة أو أن يتعامل صحيحا معنا، ألومه ولا ألومه! ألومه لأنه كان يفضل الذكور علينا نحن الإناث، ألومه لأنه كان يقول لإخوتي إن النساء غبيات، ألومه لأنه فرق بين إخوتي الذكور أنفسهم، بمعنى أنه كان يفضل البعض عن الآخر، وكان ذلك يوغر صدورهم، ألومه لأنه كان ليس عادلا بحيث أنه إن تعامل أحد أو أخطأ بحق إنسان آخر فإن أبي لا يرى الحق بشكل واضح بل يؤنب الطرفين، ولكنه يكون حنونا على طرف دون الآخر.

ألومه لأنه لم يعلمنا أن الصلاة مهمة جدا، بمعنى أنه لم يضربنا إن تكاسلنا ولم نصل، كان يقوله لنا سماعيا فقط وإن لم يصل أحد فينا فلا مشكلة في ذلك؛ مما جعلنا نظن بأنه أمر عادي وطبيعي، أبي يصلي وأمي تصلي، إخوتي لا يصلون، وأنا لم أصل إلا في وقت قريب بعد أن هداني الله رب العالمين.

أبي لم يوفق في أن يقول إنه علينا أن نحترم بعضنا كأن يتطاول علي أخي الذي يصغرني بحوالي 13 عاما ويشتم بكلمات نابية أمامه وأبي لا يقول ولا حرف بل ينظر فقط ومن ثم يرحل! أتعجب من هذا التصرف حقا عجيب! بمعنى أنني أنتظر من أبي موقفا يوقف أخي عند حده كأن يزجره أو يضربه، لكن يقول لهم أمامنا: " أنا ليست لدي أية سيطرة عليكم افعلوا ما تشاؤون".

لا ألومه؛ لأن إخوتي كبار ويعرفون الله، لا ألومه لأنه حاول جاهدا أن يعلمنا، لا ألومه لأنه والدي من أنجبنا ورعانا، وكان حنونا علينا، لا ألومه لأنه قليل التعليم بمعنى أن مستواه ضعيف، لا ألومه لأنه عاش يتيما من دون أب أو أم، لا ألومه لأنه حاول وحاول فله الشكر الجزيل وعسى الله أن يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة من أوسع أبوابها اللهم آمين.

ربما ستقول أن دور الأم غير جلي، نعم أمي ليست لها دور رئيسي، أبي كان يقول لها أمامنا: "إنهم أبنائي فلا دخل لك في تربيتهم أنا أربيهم وأنت لا" نعم مشاكل ومناقشات أبي وأمي كانت تكون أمامنا وأمام مسامعنا، عشنا مع أفكارهم وكيف يتشاجرون وكيف كان الطلاق ممكن الحدوث تحت ضغوط نفسية كبيرة جدا أخذتها أنا وأخوتي على عاتقنا، كنت أحاول أن أهدأ الأمر بينهما وأحاول أن أقول لينسوا المشاكل ولا يتصرفوا خطأ.

كان أبي أحيانا يتحدث عن أمي بالسوء أمامنا، وأمي كانت وما زالت تتحدث بالسوء عن أبي، وتصفه بأمور عقيمة وغير جيدة، وأخوتي يتحدثون عنه بالسوء لأنهم رأوا الدعم الكبير من طرف كبير وهي أمي، أمي وأبي ليسوا على توافق فأبي كثير الظن بالسوء على كل إنسان، فالكل عنده ليسوا جيدين، فكان ذلك يؤذي مشاعر أمي بحيث أنها لا تشعر بأنه يقدر تضحياتها، وكان كثيرا ما يعايرنا إن كان قد طرأ على سلوكنا شيء خطأ بأهل أمي حيث إنها أجنبية وليست عربية المولد ولا المنشأ.

أمور جسام أمور كبيرة ساعدت في زيادة الفجوة والحقد بيننا، بينهم، بين الجميع، أسرة مفككة ولكنها تحت ظل بيت واحد، هذا الأخ لا يتحدث مع الآخر، وذلك يدبر خططا كي يوقع الآخر في خسائر نفسية ومالية، أنا أعيش تحت هذا التوتر تحت هذه الضغوطات، أنا متعبة وقد ضاق الصدر علي، عشت تحت هذا الضغط لسنوات كبيرة، وأثر علي نفسيتي أصبحت عصبية جدا ودرجة حساسيتي عالية تماما، لا أتحمل كلمة، نظرة أو أي شيء، أبكي فقط لأنني أحب أن أشعر بالأمان، وبالراحة أحب أن يكون هنالك احترام بيننا.

لا أحد يحترم الآخر، إخوتي لا يحترمون أبي أو أمي، أمور كثيرة كثيرة لا أعرف كيف أتعامل معهم، أختلف عنهم كثيرا من ناحية التفكير ومن ناحية ميولي، لا أدري، يتلفظون علي وأبي كثيرا ما يظهرني بأنني السيئة والشريرة بينهم، وإخوتي ينظرون إلي بنفس النظرة بالرغم أنني ـ وربي أعلم ـ لست بالشريرة، فإن حدث وغضبت أختي فاللوم والأصابع تشار إلي من دون سابق إنذار، أبي يقول: " أنت أغضبتها" أقول له: " لا، ولم أنا دائما" وحقا لست أنا ولم أكن أنا! فهل أنا شريرة؟ دائما ما أسأل صديقاتي: هل أنا شريرة، وهل أنا مقيتة كريهة؟ كيف أتعامل؟ كيف أعيش؟
أحيانا أتمنى إجازة الصيف ولكنني أمقت الإجازة؛ لأنني لا أملك حرية المشاهدة، بمعنى لدينا أربعة تلفزيونات بالمنزل، في غرفتنا تلفزيون، ولكن أختي تحب مشاهدة أغاني وفقط الأغاني والمسلسلات التي تعجبها فقط، وما إن أطلب منها أن أشاهد برنامجا في قناة أخرى، برنامج نقاشي أو ديني، تنظر إلى بنظرة مقيتة وتبدأ تتمتم، فأشعر بضيق نفسي كبير، فأغلق التلفاز وأذهب لأقرأ القرآن وأصلي، لست متعلقة بالتلفاز ولكن أن يكون الإنسان أنانيا فهذا أمر خطأ.

وأبي دائما ما يقول عني أنني شريرة، أرى ذلك في نظراته وفي طريقة تحدثه معي، أرى ذلك وهو يقول أنني المؤذية أرى هذا كله، أعلم أنه لدي عيب وهو أنني أنفعل، بمعنى أنني لا أعرف ولكن نبرتي تكون حادة، أكره أن يظلمني أحد، وأنا أحلف بالله وأقول أنني لم أقم بمثل هذا الأمر لكن لا يصدقني أبي، فأبي ميزانه أنه لا يوجد إنسان صادق.

الشكوى لغير الله مذلة، لا أستطيع أن أبوح بما لدي لأي إنسان، أخاف أن يقولوا عني بأنني شريرة، ولست طيبة فقط كتبت لكم لأنني لا أعرف كيف أتعامل أبدا، لا أعرف أبدا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يصلح حالك وحال أسرتك، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يرزقكم الحب والأمن والأمان.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن ما ذكرتيه ليس خاصا بأسرتكم فقط، وإنما هذا ـ ومع الأسف الشديد ـ واقع كثير من الأسر والعائلات نظرا لقلة وعي الأسرة التربوي واعتمادها على موروثاتها المتخلفة البالية والتربية العشوائية، وفوق ذلك جهلها الديني وعدم إدراكها لضرورة العدل بين الأبناء، وأهمية ذلك في ميزان الشرع ونظرا لأنه من الصعب بل ولعله من المستحيل تغيير سلوك أسرة بكاملها خاصة الوالدين، فالذي يمكن فعله هو محاولة تغيير نفسك أنت، بأن تستفيدي من نقدهم لك وتجتهدي في إصلاح العيوب التي يرمونك بها وأن تكوني منصفة مع نفسك، فإن كانت هذه العيوب موجودة فحاولي أن تتخلصي منها حتى ولو كانت بصورة بسيطة أو مصغرة، وحاولي الاستفادة من ذلك.

وإن كانت هذه الأمور مبالغا فيها فليس أمامك إلا الصبر والدعاء، وأنت ـ ولله الحمد ـ على أبواب التخرج من الجامعة، وعما قريب سوف تودعين هذه الأسرة بحلوها ومرها وخيرها وشرها لتؤسسي أسرة سعيدة أنت فيها الملكة المطاعة تحرصين على تجنيبها هذه السلبيات وتربيتها على أعلى مستوى تربوي إسلامي متميز، فاصبري فالمسألة مسألة وقت واجتهدي في دراستك حتى تتخرجي في موعدك، ولا مانع من سؤال الله أن يمن عليك بزوج صالح صاحب خلق ودين يحسن معاملتك ويحترمك وتضعين يده في يدك لتأسيس البيت السعيد الخالي من هذه المشاكل وتلك السلبيات.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسعادة في الدارين.

مواد ذات صلة

الاستشارات