السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي إخواني الأفاضل أني كنت في السابق بدون طموح ولا أهداف، ولا حتى كنت أفكر بذلك، وكنت مهملا جدا في دراستي، وحتى أني أعدت كذا سنة في مراحلي الدراسية، ولكن نحمد الله على كل حال، ولكن المشكلة التي أعاني منها أني إذا نظرت إلى من حولي أجد الجميع في وظائف مرموقة ومناصب عالية، وذلك طبيعي؛ لما بذلوا من جهد وعناء حتى وصلوا إلى هذه المناصب، وأنا أقسم بالله لا أحسدهم، بل على العكس أحترمهم وأقول في نفسي: لكل مجتهد نصيب، وهذا ما يستحقون.
والآن أفكر أن أبدأ حياتي من جديد، وأن أواصل تعليمي من جديد، وأن أكمل دراستي المتوسطة والثانوية، وحتى الجامعة، وأفكر من الآن أن أحضر الماجستير والدكتوراه في الطب أو على الأقل أكون أخصائيا، وهذا طموحي سابقا بأن أكون دكتورا لي مكانتي في المجتمع، واحترام الجميع لي، فهل أستطيع ذلك يا إخواني الأفاضل؟ وهل أستطيع ذلك وأنا أبلغ من العمر 30 سنة، وأنا متزوج ولدي من الأبناء 4؟
غير ذلك الجميع يقول لي لا تستطيع بلوغ هدفك فالمشوار أمامك طويل جدا، والآخرون يقولون: بعد ما شاب ذهب للكتاب، والآخرون يقولون: أنت تشعر الآن بحماس واندفاعية، ولكن بعد فترة ستشعر بالفتور والتردد، فهل هذا صحيح؟ وما هي الطرق التي تعينني علي إنجاز هذا الأمر؟ وما هي الخطط التي تعين على ذلك. وذلك لما أملك من العزم لأبلغ ذلك بأي شكل من الأشكال، وبأي طريقة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر الفاتج حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن صاحب الهمة العالية يستطيع أن يبلغ – بحول الله وقوته – ما يريد، وطريق المليون يبدأ بخطوة، وقد ذكر ابن الجوزي رحمة الله عليه قصة لولد قاضي المسلمين في زمانه، وقد رأى منه والده تقصيرا في طلب العلم، فقال له يوما: "يا بني! تعلم أني لا أدوم لك، فاجعل لنفسك دكان خباز أو دكان حداد"، فقال: "رحمك الله يا أبي، تقول لي ذلك وأنا ابن القاضي؟" قال: "فإني أراك لا تطلب العلم"، فقال: "اذكر لي الدرس الساعة"، ثم اجتهد في طلب العلم، قال ابن الجوزي: ولقد رأيته يناظر ويحاضر.
وقد بدأ سلطان العلماء العز بن عبد السلام طلب العلم متأخرا، لكنه اجتهد وسهر الليالي، وكان لا ينام إلا بعد مراجعة كل ما درس، حتى ساد أهل زمانه ولقب بسلطان العلماء، وترك الآثار الطيبة والعلوم النافعة الكثيرة، وكذلك ابن القاسم، وهو من أشهر طلاب الإمام مالك، بدأ رحلته في الطلب متأخرا.
ولم تكن القمم العالية عند السلف وحدهم، فقد حضرنا مناقشة رسالة دكتوراة لرجل كان حارسا في جامعة أم درمان الإسلامية، ولكن همته العالية دفعته إلى طلب العلم من مراحله الأولية في الفترات المسائية بنظام المنازل، ثم تدرج حتى نال شهادة الدكتوراه.
وقد كان الاحتفاء به عظيما، وليس هذا الطموح محصورا في الرجال وحدهم، فهذه امرأة اجتهدت في تربية أولادها حتى أوصلتهم إلى منازل رفيعة، فتخرجوا أطباء ومهندسين، ثم واصلت تعليمها بعد ذلك ونالت الماجستير ثم الدكتوراه.
وأنت يا بني تستطيع أن تحقق أمنيتك شريطة أن تحرص على ما يلي:
1- التوكل على الله بعد اتخاذ الأسباب.
2- الإكثار من الدعاء والتوجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه.
3- الإخلاص وتصحيح النية، فإنه ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انفصل وانقطع، وأرجو أن تحرص على أن تنال رضوان الله وتنوي خدمة المسلمين، ولا تجعل هدفك احترام الناس؛ فإن رضاهم غاية لا تدرك كما قال الشافعي: "رضا الناس غاية لا تدرك، ولكن انظر ما يصلحك فالزمه".
4- الاجتهاد في الدراسة والطلب.
فما نيل المطالب بالتمني **** ولكن ألق دلوك في الدلاء
ولابد دون الشهد من أبر النحل ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
5- تنظيم الوقت، والصبر على طلب العلم.
6- الابتعاد عن المعاصي، فإنها سبب كل شؤم وفشل، وأحسن من قال: شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي.
وقال اعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي
7- المحافظة على الصلوات، والمحافظة على البكور، والاستفادة من هدوء الليل بعد السجود لله.
8- الحرص على بر الوالدين، والإحسان إلى الأقربين والمساكين.
والله ولي التوفيق!