الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنماط التفكير الحديثة ومدى توافقها مع الدين..

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأعرض لكم أساليب التفكير المعروفة:

-التفكير الذاتي: هو عملية التفكير التي يقوم بها الفرد حول آرائه ومعتقداته، والتحليل الذاتي لتصرفاته وسلوكياته.
-التفكير الاقتصادي: يتعلق بدراسة كيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بالاقتصاد، بما في ذلك الإنفاق والإنتاج والتوزيع والموارد.
-التفكير العميق: يتعلق بالتفكير الشامل والمتعمق في موضوع معين؛ بحثًا عن فهم أعمق، وتحليل أكثر دقة.
-التفكير التحليلي: يركز على تحليل المعلومات، وفهم العلاقات بين العناصر المختلفة للوصول إلى استنتاجات مدروسة.
-التفكير الأخلاقي: يتعلق بالتفكير في القضايا الأخلاقية، والقيم الإنسانية، واتخاذ القرارات الصائبة.

-التفكير الانتقادي: يتضمن التقييم النقدي، والتمحيص الدقيق للمعلومات والأفكار قبل اعتمادها أو رفضها.
-التفكير الزمني: هو القدرة على التفكير بالزمن والتنبؤ بالأحداث المستقبلية، وفهم التأثيرات التاريخية على الحاضر، وتعلم الدروس من الماضي.
-التفكير الديني: يشمل التفكير حول المسائل الدينية والروحانية والاعتقادات الدينية.
-التفكير المنطقي: يستند إلى المنطق والقواعد المعقولة لاتخاذ القرارات وحل المشكلات.
-التفكير الفلسفي: يتعلق بالبحث العميق والتأمل في مسائل الحياة والوجود والقيم الأساسية.

سؤالي الآن: أنا أحب التنظيم وأحب تطوير نفسي، وهناك عدة أساليب للتفكير أرغب بإتقانها، وذكرتها لكم في بداية الاستشارة، مشكلتي بأني مسلم، وعلي الالتزام بديني فقط، وأشعر بالنقص إن لم أفكر في أمور أخرى لتطوير نفسي، كما تأتيني أفكار تقول: أنت لست مكتفيًا بدينك، وهذا حرام، فهل هذا بالفعل حرام، وما هي الحياة الكاملة للإنسان.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

تطوير الذات وتنمية المهارات الشخصية، وبناء النفس وتهذيبها وتنقيتها مما يعلق بها من المفسدات، من أهم الأهداف التي يسعى إليها كل مسلم، ولكن الطريق لتحقيق ذلك يحتاج منا لحكمة، وفهم، وبصيرة، وصبر؛ وذلك حتى لا نقع في أهواء النفس وانحرافاتها، وضلالات الشبهات وخطرها، والتي تنحرف بالإنسان عن تحقيق هذه الغاية المهمة.

عندما تتأمل -أخي الكريم- في الشريعة الإسلامية من كل جوانبها، ستجد فيها أروع وأجمل أشكال التكامل المنشود في بناء الشخصية السوية، والذي لا يمكن أن تجده في أي مكان آخر، سواء كان ذلك في بناء الذات وتطويرها وتنمية مهاراتها، أو تهذيب النفس وتربيتها، أو في تحقيق الإنتاجية في الحياة بكل جوانبها الأسرية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والعلمية، وسبب ذلك هو ضمان التربية والبناء في الإسلام لكافة الجوانب التي تخلق التوازن والعدل، وتحقق التكامل في بناء الشخصية الصالحة، وكل ذلك وفق منهج رباني بعيد كل البعد عن انحرافات النفس البشرية وأهوائها.

ويستهدف بناء الذات في الإسلام جانب الجسد والروح بشكل متوازن وواقعي، فلا إغراق في تعذيب الجسد وحرمانه، أو التطرُّف في الإشباع من الشهوات دون رادع، ولكن التربية في الإسلام تعطي كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن أساس الانحراف والفساد في أي شيء هو اختلال العدل، فيحدث الإفراط أو التفريط، وهذ التوازن هو أساس الشعور بالرضا، وتحقيق الإنجاز في الحياة.

عندما حاول بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- تغليب جانب من العبادة على آخر، رغم حُسن قصدهم، كانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم حازمة، فقد جاء في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"، [رواه بخاري ومسلم].

وبهذا يتضح لك أن الإسلام لا يمانع أبدًا أن يرتقي المسلم في همته العلمية والعملية والأخلاقية بمختلف أساليب التفكير التي ترتقي به ولا تخالف الشرع، يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، ويقول تعالى: ‏{‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}، ‏وعندما تتأمل في أساليب البناء والتفكير عند غير المسلمين، نجد اختلال التوازن والازدواجية، وتصادم المعايير في كثير من أساليب التربية والبناء، وهذا ينتج عنه شخصية غير متزنة، تفتقد للتكامل الأخلاقي والعلمي، مما يُثمر فسادًا عظيمًا، فالعلم بغير أخلاق فساد عظيم.

والذي أدى إلى مشاعر عدم الاكتفاء بالتفكير الديني لديك، هو الظن أن التفكير الديني لا يستطيع تحقيق كل ما نطمح إليه من بناء النفس والفكر والأخلاق، أو أنك لن تجد في الإسلام ما تظن أنك ستجده في غيره، وهذا الظن غير صحيح -كما أسلفت-، فالتفكير الديني في الإسلام تحديدًا أعطى لبناء النفس وتهذيبها والارتقاء بها أعلى مراتب الاهتمام، ولم يحصر الإسلام اهتمامات المسلم بمجرد العبادات أو الاكتفاء بطلب العلم الشرعي، بل "جعل الحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها "، وحث على كل ما يجلب الخير للمسلم ويرتقي بروحه ويصلح أحواله وأحوال أمته، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" [رواه مسلم].

فتطوير الذات وتهذيب النفس والتربية وأساليب البناء الأخلاقي والسلوكي والعملي يقوم في الإسلام على إصلاح النفس، وإصلاح النفس يقصد به: تهذيبها وتنقيتها مما يعلق بها من مفسدات الشهوات والشبهات، وجعل الإسلام محور صلاح الإنسان ونجاحه هو صلاح ذاته، والذي يشمل صلاح اعتقاده بربه وصلاح قلبه وعلاقته بنفسه وبالناس، يقول الله تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

لذلك طرحك لسؤال: هل أكتفي في أمور ديني فقط أم أطور نفسي؟
في أساسه لا يستقيم، لكون الدين يدعو أساسًا لتطوير الذات، وتطوير الذات يدعو لتدعيم التوازن في استقامة القلب والنفس والسلوك، وما تبحث عنه من أساليب مهما كانت مفيدة، ستجد الإسلام أشار إلى أصولها أو سبق إليها، وفي كثير يتفوق عليها بشكل أو بآخر، ولك أن تتأمل في الكثير من علماء المسلمين الذين أبدعوا في مجموعة واسعة من المجالات العلمية والثقافية والتقنية، كالطب والهندسة والتشريح والكيمياء والفيزياء والميكانيكا، والعديد من العلوم التي كان لها دور في الحضارة الإنسانية، وهذا الإبداع لم يكن وليد انقطاع لعلوم دينية فقط، فلم يمنعهم التديُّن، أو التفكير الديني من ممارسة شغفهم في مجالات خارج إطار العلوم الشرعية، بل سخّروا علوم الدنيا وهذبوها وفق الشرع، فطوعوا تلك العلوم كعلم الفلك في معرفة الأهلّة وطوالع المواسم، والعمارة في بناء السدود وتوفير المياه، وغير ذلك كثير.

وبعد هذا يمكن أن نوضح لك أهم وسائل بناء النفس وتطوير الذات وفق منهجية ترتكز على هدي الإسلام وتعاليمه كأساس:
أولًا: ابدأ بالوعي بذاتك: الوعي بالذات مهم جدًا لمعرفة من أين يبدأ الإنسان في بناء نفسه، وإدراك نقاط الضعف والقوة يساعد في وصول الإنسان إلى تحقيق النتائج، لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

ثانيًا: الطموح الشخصي، فلكل إنسان طموح يرغب في الوصول إليه، وهذا الطموح يتفاوت من شخص لآخر، وحتى لا يتحول الطموح إلى مجرد أمانٍ، فلا بد أن يسعى الإنسان إلى تحقيق أسبابه، ويتحرك في بناء كل ما يوصله إليه، وهذه الخطوة تقتضي مرحلة مهمة، وهي أن يكون لديك هدف، والسير في تحقيق هذا الهدف يحتاج منك أن تطور من المهارات والقدرات التي ترتبط في تحقيق هذا الهدف.

ثالثًا: هذِّب النية، وأحسن القصد حتى تؤجر في سعيك في الدنيا، وتنقل العمل من المباحات إلى عمل صالح تؤجر عليه بحُسن النية، واجعل القصد والهمّ الأول رضا الله تعالى.

أما الحياة الكاملة التي لا نقص فيها، فهذا شيء عزيز صعب المنال، والحياة قائمة على المجاهدة والتربية والصبر، ولكن الاجتهاد في الاستقامة على أمر الله يضمن للنفس تحقيق التوازن، وتحقيق كل متطلبات الحياة السعيدة، يقول تعالى:{من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً