أبذل الجهد ولا أرى توفيقا، فكيف أكون موفقة؟

0 272

السؤال

السلام عليكم

لا أعرف كيف أبدأ مشكلتي، لكن يخيفني ظلم القدر والبشر، يخيفني القدر حينما ينقصني عن الآخرين، يخيفني عندما أرى التوفيق عند البشر سواي، خصوصا اللذين أكرهم حين يتغلبون علي بالتوفيق بسبب القدر، لا أحتمل العيشة مع عدم التوفيق رغم بذلي للجهد.

لا أعرف لماذا أنا الوحيدة التي لم أوفق بالدراسة، بينما والباقي موفقين، لماذا أنا الوحيدة التي أوفق بالحب والبشر موفقين؟ لماذا أنا الوحيدة التي لم أوفق بالفوز بالمسابقات.

لم أعد أحتمل العيش إطلاقا، لماذا القدر ظالم؟ أين هي تلك العبارة التي تقول لكل مجتهد نصيب؟ أنا اجتهدت واجتهدت ولم أجد سوى الظلم، اجتهادي ضاع، ولم يبقى شيء منه، تضحكني تلك العبارة التي تقول الله يخبئ لك الأجمل، إلى متى يخبئ الأجمل؟ إلى أن أصبح عجوزا؟ أو إلى أن أصاب بالمرض؟ أو إلى متى؟ لا أريد شيئا سوى التوفيق الذي ظلمني به القدر؟ فكيف أحصل عليه مع بذلي للجهود الكاذبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلمي –أختي حفظك الله وعافاك – أن الابتلاء بالمصائب, ومنها ما ذكرته من معاناتك لكثرة الإخفاق والفشل والشعور بخيبة الأمل وعدم التوفيق في تحقيق أحلامك وآمالك وأمانيك في الدراسة، أو العلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية، أو غيرها، رغم بذل الجهد والجهد والتعب كل ذلك يجري وفق سنة إلهية كونية جارية على الخلق كلهم, فقل من يسلم من هذه الهموم والأحزان فمن مقل ومن مكثر, وإن لم يكن في الحال ففي المآل, لاسيما مع ما يعانيه أكثر الناس مؤخرا من كثرة الضغوط والأزمات المتنوعة والمختلفة -نسأل الله السلامة والعافية- قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، فهذه طبيعة الدنيا (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه).

طبعت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الأكدار والأقذار
ومكلف الأيام ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار

- الحكمة من الابتلاءات أنها تكون أحيانا كعقوبات للعاصين؛ بغية رجوعهم لرب العالمين (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).

وتكون أحيانا لرفع درجات وتكفير سيئات المؤمنين الصادقين, وفي الحديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفل الله بها من خطاياه)، ولذلك فالمؤمن لا تخلوا حياته من الهموم والأحزان, وحسبنا أنه كان أول دعاء أهل الجنة: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور* الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى المرء على قدر دينه, فمن كان في دينه شدة اشتد بلاؤه ومن كان في دينه رقة هون عليه, فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه ويمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه البخاري ومسلم.

- الدنيا – أختي الفاضلة - دار ابتلاء وممر, والآخرة دار نعيم ومستقر، وهذه المصائب والمنغصات تعرف المؤمن عظمة الله تعالى والآخرة وحقارة النفس والدنيا, ولما سئل الإمام أحمد: متى يستريح المؤمن؟ قال: حين يضع إحدى قدميه في الجنة. بل روي عن أبي بكر الصديق قوله: (لو أن إحدى قدمي في الجنة, والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله) وقد صح عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، وفي الحديث الصحيح بمجموع طرقه: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء).

- في سبيل التخفيف من حدة الهموم والأحزان فلنعلم أن الله تعالى وإن جعل الدنيا دار بلاء وشقاء إلا أنه أمرنا بطلب الراحة والسعادة فيها بحسب الإمكان ببذل الأسباب الممكنة, كما قال تعالى: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال)؛ ذلك لأنها ربما كانت الابتلاءات فتنة لضعيف الإيمان عن دينه والعياذ بالله كما وهي دمار للصحة النفسية أيضا , لكن العاقل يمكنه أن يجعل من الفتنة نعمة, ومن المحنة منحة (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) والمرء – كما يقال – حيث يجعل نفسه. فالواجب عليك – سلمك الله - ألا تيأس ولا تقنط ولا تستسلم, بل أن تحسن الظن والثقة بالله تعالى ثم بنفسك, وذلك – بإذن الله – بالآتي:

- تعميق وتنمية الإيمان وذلك بطلب العلم النافع والعمل الصالح والتفكر في آيات الله الكونية والشرعية والإكثار من الذكر وقراءة القرآن بتدبر والعمل الصالح. قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين). – فاحرصي على تحصيل التقوى لله والتوكل عليه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).

- في المقابل فإن الغفلة عن الله تعالى وعظيم فضله ومنته وكرمه وجميل إحسانه علينا وعن ذكره وعن الدار الآخرة والعمل الصالح والتركيز فحسب على زينة الحياة الدنيا وزخرفها وشهواتها ومصالحها مما يقسي القلب ويضيق الصدر ويزيد من الهموم والأحزان كالذي نسمعه ونقرؤه في بلاد الغرب رغم ما هم عليه من ثراء من فشو الأمراض النفسية وظاهرة الانتحار مما يلجؤهم إلى هروب مؤقت كالمسكرات والمخدرات. قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)، (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين).

- مما يعينك على الصبر على البلاء – أختي العزيزة عافاك الله - أن تشكري ربك سبحانه باستحضار ما من عليك من النعماء (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار), واحذري أن تقارني نفسك بمن هو أفضل منك بل بمن هو أدنى كما في الحديث: (أنظروا إلى من هو أسفل منكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم. وفي رواية: (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه) متفق عليه.

- الإيمان بالقدر والقضاء, والثقة بالله تعالى ثم بالنفس (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله ما شاء فعل) رواه مسلم. ولا شك أن التسخط والتذمر لن يغير من المقدور شيئا بل يزيد في الهم والكرب وفي الإثم والذنب عافاك الله.

- استحضار ثواب البلاء والأجر عليك يوم اللقاء وفي الحديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه. كما صح قوله: (تكون للعبد المنزلة يوم القيامة عند الله فلا يبلغها بعمل فما يزال البلاء به حتى يبلغها). ولذلك قال بعض السلف: (لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس)، وقال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن) رواه مسلم.

- استحضري – أختي العزيزة – حين يراودك الهم في إخفاقاتك في بعض جوانب حياتك – ما حباك الله به من نعم عظيمة قد لا يلقاها الكثير من الناس في الصحة والعافية والأمن من خوف والشبع من الجوع وغير ذلك من أنواع النعم الكثيرة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار).

- تذكري أن اليأس والقنوط والإحباط لن يغير من القدر شيئا, بل يزيد في الهم والإثم, فضلا عن اتهام الرب تعالى بالظلم, فإن هذا الاتهام من أبشع وأشنع ظلم الإنسان في حق نفسه حيث يوقعها في الإثم ويزيدها في الخذلان, كما وهو ظلم في حق ربه الذي من عليه بنعم الإيجاد والإعداد والإمداد (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك * كلا بل تكذبون بالدين * وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون)، فتذكري أن دار السعادة والثواب والراحة في الآخرة لا الدنيا (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى).

- إعطاء النفس حقها من الراحة وفق حدود المشروع كمزاولة الرياضة بمشورة مختص, والخروج إلى المتنزهات مع الصحبة الطيبة والصالحة فقد قال بعض السلف: (أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان).

- من الضروري مراجعة الاختصاصيين من الأطباء العضويين والنفسيين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله فإن الله ما خلق داء إلا جعل له دواء) ومن المهم تعويد النفس على التعايش مع المرض؛ فلا أسوأ من مرض العمى والسرطان – عافانا الله – إلا عدم التكيف معه.

- أوصيك –أختي سلمك الله وعافاك – بتدبر القرآن الكريم وما فيه من قصص الأنبياء والمرسلين, وتدبر السيرة النبوية, والتمعن في مثل هذه الكتب: (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) للشيخ عبد الرحمن السعدي. و(جدد حياتك) للشيخ محمد الغزالي. و(لا تحزن) للشيخ عائض القرني. و(استمتع بحياتك) للشيخ محمد العريفي.

- أسأل الله تعالى أن يفرج همك وغمك, ويكشف حزنك وكربتك, وأن يشفيك ويعافيك, ويرزقك الصبر وعظيم الثواب والأجر, والرضا بالقضاء والقدر, ويشرح صدرك وييسر ويتولى أمرك, ويرزقك سعادة الدنيا وكرامة الآخرة إنه سميع عليم بر جواد رؤوف رحيم.

مواد ذات صلة

الاستشارات