خطيبي أدمن الحشيش بسبب ظروف حياته، فكيف أساعده لتخطي أزمته؟

0 210

السؤال

السلام عليكم.

خطيبي عمره 26 سنة، يعاني من تراكمات نفسية كثيرة، فمنذ الصغر حتى عمر 15 سنة، حيث تفرق والداه، وتعرض للضرب والإهانة والأذى النفسي من الأب وهروب الأم مع الأطفال، مما سبب له لاحقا عدة محاولات انتحار، آخر محاولة كانت منذ أقل من سنة، وأيضا إن وقع في مشكلة أو خسر يضخم الأمور ويلوم نفسه ويستمر في المشكلة مدة طويلة حتى وإن لم يكن السبب.

يعيش الآن بعيدا عن أسرته، وعلمت قبل خطبتنا أنه مدمن حشيش، ويرغب في الإقلاع عنه، وحاول مرات عديدة، فينقطع ويعود إليه.

راجع طبيب نفسي، وتوقف عن الحشيش بتناول الأدوية والجلسات، ولكنه انتكس بعد عدة شهور، وبعودتنا للطبيب طلب مبالغ كبيرة للجلسات، وتعامل بطريقة لا أخلاقية، مما أفقد خطيبي ثقته بالأطباء النفسيين، وليس لدينا في بلدنا مراكز علاجية متخصصة بهذا الأمر.

تمكن من الإقلاع عن الإدمان لوحده، ولكن في الوقت الحالي مررنا بظروف صعبة جدا، وانطوى على نفسه، وأنا أشعر -وغير متأكدة- بأنه عاد لتدخينه.

أرجو مساعدتي، لا أعلم كيف أتصرف إن كان شكي صحيحا وجاء لمصارحتي بهذا الأمر، فقد عانيت الكثير، وأنا لا أريد الانفصال عنه، فقد لمست فيه خيرا كثيرا ومحبة وكرما وحسن معاملة لي ولأهلي وقلبا مؤمنا وإن قصر في أداء الفرائض.

أريد مساعدتكم، كيف أساعده لتخطي الحزن والانعزال عندما يتعرض للمشاكل؟ أرجو حصولي على نصائح من جهة الشرع والطب النفسي، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك وفاءك لخطيبك وحرصك على السؤال لأجله ومعالجته، فاسأل الله لخطيبك الشفاء، ولك عظيم الثواب والجزاء.

-لا أخفيك- أختي العزيزة- أن أخطر ما في السؤال هو ذكرك محاولة خطيبك للانتحار، ولا شك أن ذلك من أعظم الآثام والجرائم والكبائر العظام، كما وهو موجب لعظيم عقوبة الله في الآخرة، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال سبحانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال جل جلاله: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا), فالنفوس ملك الله تعالى وهي وديعة أودعها الرحمن لعباده, يجب المحافظة عليها من الآفات والأمراض فضلا عن المهالك, ولا شك أن العاقل المسلم يصبر على بلاء الدنيا وهو قليل في مقابل بلاء الآخرة وهو عظيم جليل, نسأل الله العافية والسلامة.

- العزلة – أختي العزيزة – داء نفسي لا يعالج المشكلات بل يعمقها ويزيدها, مما يستلزم ضرورة دعم خطيبك من لزوم الصحبة الطيبة, التي تذكره إذا نسي وتنبهه إذا غفل وتعلمه إذا جهل, والصحبة الصالحة خير عدة لظروف الرخاء والشدة, وفي الحديث: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).

- لذا فإني أوصيك بالاستمرار على الوقوف مع خطيبك ومساندته وفق الحدود والضوابط الشرعية بما تشمله من الحذر من الخلوة والملامسة والمغازلة كونه أجنبيا عنك حتى يتم العقد والزواج بإذن الله.

- أشك أن ما تعرض له خطيبك في ماضيه المؤلم من تفرق الوالدين وإهانة وضرب شديد ونحوه قد أدى إلى ما يعانيه من تراكمات نفسية كما ذكرت في سؤالك, إلا أن هذه التحديات والمشكلات يمكن تخطيها وتجاوزها بالتزام ما أمر الله به من الأمور التالية:
تعميق الإيمان والمحافظة على الأذكار والعمل الصالح وقراءة القرآن, قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

- أما بخصوص سؤالك, هل الأولى استكشاف حاله بسؤاله عن صدق توبته من إدمان الحشيش والسجائر أو لا؟ فإن هذا يعتمد على مدى معرفتك بمدى استعداده النفسي للمصارحة والوضوح معك, والأهم من ذلك عدم اليأس والقنوط من رحمة الله ومن الإصرار على العلاج لدى الطبيب النفسي, ولن يعدم – بإذن الله – من أطباء أكفاء أمناء صالحين أفاضل، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون), وفي الحديث: (إن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء).

- أوصيكما باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء ملتمسين ومتحينين أوقات الإجابة, كالدعاء في جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات وفي المناسبات الفاضلة, قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، مع ضرورة حسن الظن والثقة بالله تعالى, (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

هذا وأسأل الله تعالى أن يبارك فيك ويشفي خطيبك عاجلا غير آجل, وأن يجمع شملكما على سكن ومودة ورحمة ويرزقنا وإياكم التوفيق والسداد والهدى والخير والرشاد وسعادة الدنيا والآخرة.

نشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. عمار ناشر -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
-----------------------------------------------------
كما أفادك الشيخ عمار ناشر فإن هذا الأخ محتاج لمساندة من جانبك، لكن في ذات الوقت يجب أن يعلم أنه هو الذي يستطيع أن يغير نفسه، نعم هنالك تراكمات تربوية منذ الصغر ربما تكون قد أخلت بالبناء النفسي لشخصيته مما جعله يواجه بعض الصعوبات النفسية والسلوكية، ولا شك أن تعاطي المخدر هو الطامة الكبرى الآن.

هذا الأخ أتمنى أن يكون قد أقلع، انعزاله الآن وانزوائه ربما يكون ناتجا من أنه دخل في حالة نفسية اكتئابية، وقطعا من الصعوبة بمكان أن يعرف إن كان يتعاطى أم لا، ولذا أنصحك بسؤاله مباشرة سؤالا واضحا: هل لا زلت تتعاطى المخدر أم لا؟ وللتأكد اذهبي به إلى أي مرفق طبي ليتم فحص البول لمعرفة إن كان يتعاطى أم لا، هذا الفحص بسيط وغير مكلف أبدا.

ومساندة هذا الأخ أعتقد تكون من خلال الإقدام على الزواج، أنا أرى أن هذا مهم وضروري وقد أتى وقته، لأن بعد أن يكون الزواج قد اكتمل هو يبدأ في تحمل شيء من المسؤولية، لأن الزواج فيه مسؤولية كبيرة، وبجانب مساندتك ومؤازرتك له يمكن أن يتغير، خاصة أن عوامل الخير فيه كثيرة كما ذكرت، فإكمال الزواج من وجهة نظري يعتبر علاجا جيدا ومهما لما هو فيه.

إذا استمرت معه الحالة الاكتئابية والانعزالية هذه فتناول أحد مضادات الاكتئاب ومحسنات المزاج سيساعده ولا شك في ذلك، وهنالك أدوية كثيرة معروفة في هذا السياق.

بجانب ذلك مساعدته على أن تكون له رفقة طيبة، هذا مهم جدا، تشجيعه أن يؤدي الصلاة في وقتها، وبالنسبة لعمله أيضا: يجب أن يطور نفسه في هذا السياق، لأن التطور المهاراتي من خلال الوظيفة الإنسان كثيرا على أن يثق في مقدراته أكثر، وهذا يعزز السلوك الإيجابي بصفة عامة، ويقلص كثيرا السلوك والمشاعر السلبية.

هذا هو الذي أنصح به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات