كيف أتخطى الأثر النفسي من الطلاق؟ وكيف أرشد سلوك ابني؟

0 150

السؤال

السلام عليكم

أعاني من عدم قدرتي على تخطي الأثر النفسي للطلاق، مرت علي ثمان سنوات، عانيت خلالها من أسوأ معاملة من طليقي، وانعكست آثارها سلبا على تعاملي مع ابني ذي التسع سنوات الذي يشبه والده كثيرا.

أشعر أني أنتقم من أبيه في شخصه, أسمعه أسوأ العبارات وأضربه، ومن شدة خناقي وتعنيفي له بدأت تظهر سلوكيات سيئة عليه، منها أخذ المال دون أذن مني ومن جدته، قصم ظهري بهذا الفعل حتى تغيرت ملامحي، وتمنيت لو مت قبل هذا، أضربه بشدة كلما فعله رغم أني أنا السبب في قرارة نفسي ويستمر في تكراره.

أنا لا أريد أن أفقده كما فقدت نفسي، وفقدت كل شيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nada حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من المؤكد ـ أختي الفاضلة ـ أن الطلاق ليس بالأمر السهل وخاصة على المرأة، فالطلاق أبغض الحلال عند الله، ولكنه بالمقابل الحلال الذي ممكن أن يضع حدا لحياة قد وصلت إلى طريق مسدود بين الشريكين، وانعدمت بها حيل التواصل والتفاهم، نعم الكثير من الأفكار السلبية تداهم المرأة خلال هذه الفترة، رأي المجتمع والمحيطين بها الذين غالبا ما سيحملونها المسؤولية، وينظرون إليها نظرة الشاك المرتاب أنها ليست أهلا لتحمل المسؤولية، كما أن الزوجة تحمل هما كيف ستعتني بأولادها وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة، ويتملكها الخوف من الحرمان من أطفالها، كل ذلك يجعلها تعيش في حال من القلق والتوتر العصبي.

ذكرت أنه مر على طلاقك ثمان سنوات، ولا زلت إلى هذه اللحظة غير قادرة على تجاوز آثاره، ربما لأنك منذ البداية نظرت إلى الطلاق نظرة سلبية، وأنه نهاية حياتك، وأنك الضحية، وأنك لن تستطيعين أن تندمجي مع المحيطين حولك بسبب نظراته إليك.

من هنا أنصحك أن تعيدي النظرة في طريقة تعاملك مع الموضوع، فما مضى مضى، ولن تستطيعي أن تعيدي الزمان إلى الوراء، ولكن بإمكانك أن تقفي في محطة تأمل وتفكير، وتعيدي ترتيب أفكارك وأولوياتك، وتنظري إلى الموضوع على أنه بداية حياة وانطلاقة جديدة، وتبدئين برسم الخطط لتعيشين حياة كريمة مستقرة واثقة، بصرف النظر عن نظرة من حولك فأنت بإمكانك أن تفرضي وجودك من خلال طريقة تعاملك مع الموضوع، وبمقدار قوتك الداخلية وقناعاتك التي تؤمنين بها، بقدر ما تستطيعين أن تغيري نظرة من حولك إليك، فينظرون إليك نظرة الإعجاب بدلا من نظرة الشفقة التي يخيل إليك أن نظراتهم إليك زاخرة بها.

نعم، قد تشعرين بلحظات ضعف، لا بأس أن تعبري عن مشاعرك الداخلية، فإن كان ذلك من خلال البكاء، فلا يعتبر مشكلة، أو من خلال الفضفضة لصديقة أو التواصل مع مستشارة تسألينها رأيها، أما كتمان المشاعر فينعكس سلبا عليك، ويجعلك عاجزة عن التجاوز والنسيان، وتذكري أن الله قريب منك، يسمع شكواك، وقادر على تبديل حالك فإليه سبحانه بثي شكواك فالله سبحانه نعم المولى ونعم النصير لعباده.

حاولي أن تحدثي تغييرا جذريا في حياتك يساعدك على النسيان وتجاوز مشكلتك، وقد يكون من أفضل الطرق البدء بعمل جديد فمن جهة يتوفر لديك الدعم المادي فيخف عبء التفكير بالمصروف لك ولطفلك، ومن ناحية أخرى يمتلأ وقتك بالمفيد والنفع ويشغلك عن التفكير، وكذلك العمل يتعبك أثناء النهار، فتخلدين إلى النوم بالليل، وهذا يشعرك بالارتياح الكبير ويخفف عنك الكثير من الضغط النفسي، أيضا العمل فرصة رائعة للتعرف على أشخاص جدد، وبالتالي يكون التجديد من كافة نواحي الحياة.

العمل الجاد لتطوير مهاراتك، فإن لم تكوني أنهيت دراستك، فابدئي من جديد، وإن كنت تملكين الشهادة الجامعية فالتزمي بدورات لتعلم اللغات أو مهارات الحاسوب، وكذلك حضور دورات وندوات حول تطوير الذات والتواصل الفعال والتربية ستعينك كثيرا في تخطي هذه المرحلة والانطلاق بقوة.

ركزي على الجوانب الإيجابية للطلاق، فالخير فيما اختاره الله، وليس عند الله إلا الخير، ولعل الأيام القادمة تحمل لك من الخير ما لم تكوني تتوقعيه، فأحسني الظن بالله وانطلقي بروح المتفائل الواثق، وبإذن الله الخير كل الخير بانتظارك، فالله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به، وسيكون مفيدا لك أن تطلعي على الكثير من القصص للمطلقات اللواتي أبدعن وتميزن بعد الطلاق، وتجاوزن المشكلة، وركزن على تربية أولادهن.

أما علاقتك مع ابنك فتحتاج إلى تغيير جذري، ولا سيما أن ابنك في التاسعة من عمره أي أنه يعي ويفهم ما يدور حوله، وليس من الحكمة بمكان أن يفقد أباه وأمه في آن معا، وتصرفاته السلبية التي ذكرتها قد تكون ردة فعل لقسوتك عليه، لذا أنصحك أن تجلسي معه وتتحاوري بهدوء وتناقشي معه أنك تودين أن تبدئي معه صفحة جديدة، وأنه من الآن فصاعدا سيجد الأم المحبة الحنونة التي يحب، وأنك بالمقابل تودين أن ترينه ابنا بارا، وتبدئين بالفعل بتغيير سلوكك معه، وإعطائه من المال ما يحتاج لسد احتياجاته، وتغمرينه بالحب والحنان تعويضا له عن الأيام الفائتة، وثقي تماما أن الحب والحنان سيجعله قريبا منك ويغير الكثير من سلوكياته، والنقطة الهامة التي ينبعي أن تأخذيها بعين الاعتبار هي ألا تذكري أباه أمامه بسوء، بل على العكس ركزي على ذكر الصفات الإيجابية فيه، ليحب والده ويتخذه قدوة، حتى وإن أحب زيارته فحذار أن تمنعيه، فطفلك يحتاج إلى أبيه ولا ذنب له ليتحمل نتيجة انفصالكما.

الحرص على تقوية علاقتك بربك، والإكثار من الصلاة والذكر، وخاصة الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، وتعرفي على صحبة تعينك على طاعة ربك، وتعينك على تجاوز ما أنت فيه.

أسأل الله أن يرزقك لسانا شاكرا، وقلبك مطمئنا ساكنا، ويقر عينك بزوج صالح، اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات