دعوت كثيرًا ولم أر نتيجة وأخشى أن يهتز يقيني، أرشدوني

0 37

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتمنى أن أجد عندكم إجابة تريحني، كان هناك أمر أتمناه بشدة، وإن لم يتحقق بوقت معين لن يتحقق بعدها أبدا، وذلك لظروف تخصني، دعوت كثيرا وظللت أدعو قبل هذا الأمر بسنوات، ولم أتوقف عن الاستغفار وقيام الليل، والصدقات، وكفالة الأيتام، -ولله الحمد- زوجي ملتزم ورزقه حلال، وأنا قبل هذا الأمر لا أتمنى إلا إرضاء الله عز وجل، وأحاول الابتعاد عن المعاصي، وسبحان الله، لحكمة لا أعلمها لم يتحقق الأمر، ولم أشك ولم أتكلم؛ حتى لا يكون سخطا على قدر الله.

ولكن سؤالي يا شيخ: هل ما كنت أفعله من دعاء وتضرع يتنافى مع توكلي على الله؟ فكثير ممن أعرفهم كانوا يقولون لي (نحن تركناها على الله ولم نفكر فيها، فتحقق لنا هذا الأمر)، فهل دعواتي بحرقة دائما وتفكيري في الأمر، يعني أني لم أفوضها لله؟

أشعر بارتباك شديد، أخشى أن يفتنني الشيطان وأتوقف عن الدعاء، ولا أدري هل الإلحاح في الدعاء بهذا الشكل معناه عدم رضا؟ أنا خائفة أن يهتز يقيني في الدعاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وشكر الله لك تواصلك مع الموقع، وحرصك على معالجة إشكالاتك العلمية والاجتماعية وفق الشرع الحنيف، سائلا الله تعالى أن يحسن ثوابك على حسن نيتك وعملك الصالح، ويرزقك التوفيق والقبول والسداد، ويلهمك الصبر والهدى والرشاد.

اعلمي –أختي الفاضلة وفقك الله– أن الدعاء كنز عظيم وسلاح متين ورابطة بين العبد وربه (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، وقال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، وقال عز وجل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقد ورد في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، وقرأ قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى).

والإلحاح على الله تعالى بالدعاء مما يحبه الله ويرضاه، وهو ضمن الأسباب المشروعة لتحقيق المصالح والآمال، وهو علامة العبودية والإيمان، وقد ورد في الصحيحين: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي).

وأما بخصوص تأخر استجابة دعوتك وتحقق مرادك، رغم دعائك وصلاحك وطاعاتك، فأوصيك –أختي الفاضلة – بالصبر على البلاء، حيث والابتلاء – كما تعلمين – سنة كونية إلهية، والصبر عليه من موجبات تكفير السيئات ورفع الدرجات، فأوصيك بحسن الظن بربك، واستحضار الثواب والأجر وعظيم فضله والشكر على نعمائه, وأن تعززي الثقة بنفسك وتتحلي بالطموح والإرادة والأمل، واحذري وساوس الشيطان باليأس والإحباط والقنوط من رحمة الله، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.

ولا بد من العلم أن الدعاء كغيره من الأمور لا يتحقق إلا بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، فمن موانع إجابة الدعاء أكل الحرام والاستعجال وعدم حضور القلب، كما أن صور إجابة الدعاء متنوعة، فهي إما أن يعطي الله السائل مسألته، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، وإما أن يعوضه ويدخر له في الآخرة، كما في الحديث الذي رواه أحمد وصححه الألباني (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر).

- واستحضري قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وقوله تعالى: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).

أوصيك بالتوكل على الله تعالى بما يشمله من أمرين اثنين: تفويض الأمور وإسنادها قلبيا إلى الله تعالى بالتعلق به سبحانه، وبذل الأسباب المؤدية إلى تحصيل الأمور، فمن أخل بالأول ففيه خلل في الاعتقاد والتوحيد، ومن أخل بالثاني – أي: بذل الأسباب – ففيه خلل في العقل والتفكير.

كما أوصيك بعدم اليأس من عبادة الدعاء والصدقات، والمحافظة على الأذكار، وقراءة القرآن، والحرص على تقوى الله، ولزوم الصحبة الطيبة، والتقرب إلى الله بالعبادات والطاعات لتحصيل رضاه وبركته وتوفيقه.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، والعون والهدى، والخير والبركة والرشاد، وأن يثبتنا وإياك على الدين، ويهدينا الصراط المستقيم، ويرزقنا الصبر وعظيم الثواب والأجر؛ إنه سميع عليم.

مواد ذات صلة

الاستشارات